بين التصور والواقع.. تجربتي كمتدرب وحيد غير سعودي مع قياديين سعوديين في برنامج تأهيل قيادة القطاع الثالث

بقلم /  ابوالفضل  محمد اليافعي

في تجربة نوعية واستثنائية، التحقتُ  بفضل الله – بدبلوم "تأهيل قيادة القطاع الثالث" في المملكة العربية السعودية، والذي يستمر على مدار ستة أشهر، ابتداءً من شهر رجب وحتى نهاية شهر ذي الحجة.١٤٤٦هـ. 

ويُعد هذا البرنامج أحد المبادرات الرائدة والنوعية التي تهدف إلى تطوير القيادات غير الربحية بما يواكب مستهدفات رؤية المملكة 2030.

البرنامج، الذي تنفذه شركة بنيان للتدريب، يتميز بجودة محتواه، وثراء أدواته، واحترافية مدربيه من خبراء واستشاريين دوليين في مجالات القيادة والتخطيط الاستراتيجي والعمل المؤسسي ويشمل مهارات متعددة ومحاور تدريبية  للقيادة  وموضوعات هامة كالتفكير الاستراتيجي والتواصل الفعال والعلاقات العامة  والمالية لغير الماليين وادارة الموارد البشرية والذكاء الاصطناعي وإدارة المشاريع التنموية والقيادة عن بعد ومهارة حل المشكلات  وبناء المبادرات  وإدارة الاجتماعات والتسويق الاحترافي  وتنمية الموارد المالية  ومهارة التفاوض  وجدارات القائد  وقيم الأداء في العمل التطوعي ومهارات تحفيز الآخرين وبناء فرق العمل والأنظمة والقوانين في القطاع غير الربحية  والقيادة الموقفية وغيرها من المواضيع الهامة والعميقة والتي يتفاوت عرض كل واحدة منها من أربعة إلى ثمان ساعات ناهيك عن الزيارات الميدانية واستضافة أكبر القيادات الناجحة  من القطاع العام والخاص والقطاع الغير ربحي لاستلهام تجاربهم الغنية في القيادة  . إلا أن ما جعل التجربة أكثر ثراءً وأثراً، هو ما وجدته من قيم إنسانية عالية لدى زملائي السعوديين في البرنامج.

كنتُ المتدرب غير السعودي الوحيد بين أربعة وعشرين قياديًا سعوديًا من مختلف مناطق المملكة. وقد دخلت هذه التجربة وأنا أحمل – كغيري من بعض الشباب العربي – تصورات ذهنية مغلوطة عن نظرائنا في المملكة، رسّختها للأسف بعض الأحكام المسبقة التي تصور الشاب السعودي على أنه غير عملي، قليل الإنتاج، ومتعالٍ في تعامله.

لكن الحقيقة التي اكتشفتها عن قرب، هي عكس ذلك تمامًا. فقد وجدت شبابًا على قدرٍ عالٍ من التواضع، والجدية، وروح العمل، والقدرة على التكيف، والالتزام الاستثنائي. بل إن ما بلغته المملكة من تقدم حضاري واقتصادي واجتماعي، إنما هو ثمرة تلاحم شعبها مع قيادتها، وجهود أفرادها في شتى القطاعات، وفي بيئة تُعد من الأكثر استقرارًا في العالم، رغم استقطابها الشهري لمئات الآلاف من الزائرين والوافدين.

خلال فترة البرنامج، لم أشعر يومًا أنني غريب. بل وجدت من زملائي السعوديين مواقف تنم عن كرم ووفاء وإنسانية عالية، جعلتني أشعر أنني بين أهلي، وأنني واحد منهم. فكانوا يؤثرونني على انفسهم اثناء رحلاتنا ، ويغمرونني باحترامهم وتقديرهم، خصوصًا من هم أصغر سنًا. وقد لمست هذا الخُلق الرفيع أيضًا لدى كافة العاملين في شركة بنيان، من إداريين ومنسقين ومدربين.

أما عن الجانب المهني، فقد كان تفاعلهم مثيرًا للإعجاب في هذا البرنامج  المكثف الذي  يصل في بعض الأيام إلى اثنتي عشرة ساعة، وخاصة  في عطلات نهاية الأسبوع، وانجازاتهم الدورية لتكاليف ومشاريع شخصية وابحاث أكاديمية محكمة مع انشغالهم باعمالهم ووظائفهم الميدانية  ، ومع كل هذا الضغط الا اني  لم ألحظ من الزملاء سوى الانضباط، والتفاعل، والشغف المتجدد نحو كل ما يُنمي مهاراتهم القيادية ويُعزز أداءهم المهني.

ولعلّ هذا جعلني اصل الى قناعة مفادها  أن هؤلاء الشباب يمثلون عينة ناضجة وواعدة من طاقات وعزيمة بلد يبارك تطلعات أفراده .  وإني من خلال هذه التجربة ومن مخالطتي لهذه   النماذج من القيادات المتمكنة، أستطيع القول بكل يقين بأن رؤية 2030 ليست مجرد أمنية، بل مشروع وطني تقوده عقول وسواعد شابة، قادرة على صناعة الغد.
كما أنه من خلال هذا البرنامج الذي تقيمه شركة وطنية غير ربحية بخبرات وأيادي سعودية أكد لي أن الأخوة السعوديين كما لم أرهم من قبل:
قادة متمكنون وصادقون  ومحترفون وأصحاب رؤيا ومحبّون لكل من يشاركهم الشغف.. ولو كان من وراء الحدود.
وأن المستقبل السعودي  بحكمة وطموح قيادته و تلاحم شعبه سيبلغ – بإذن الله – آفاقًا أبعد مما يُتوقع.