مسؤولية خفية على عاتق مُضيف الكلب
في شوارع المدن والقرى تنتشر الكلاب الضالة، وهي في حالتها الطبيعية لا تشكل أكثر من خطر صحي وبيئي محتمل، ما دامت لا ترتبط بمكان أو شخص. غير أن الظاهرة الجديرة بالتأمل تكمن في تحول أحد هذه الكلاب من مجرد كائن عابر إلى "تابع" لأحد البيوت، حين يجد إلى جواره المأوى والطعام والرعاية. وما يغيب عن أذهان كثير من الناس أن هذا التحول يُرتب مسؤوليات قانونية وأخلاقية ودينية لا يجوز التغافل عنها.
حين يُقدم أحد السكان على إطعام كلب ضال بشكل دائم، فإنه يغير طبيعته وسلوكه. فالكلب، بطبيعته الغريزية، يربط مصدر الغذاء بالأمان والانتماء. فيتخذ من البيت الذي يُطعمه مأوى له؛ بل ويبدأ في حراسته، والنباح على كل من يقترب منه، وربما يهاجم المارة أو حيواناتهم. هنا، لا يكون هذا الكلب "ضالا" بمعناه القانوني أو الاجتماعي؛ بل يصبح "كلب البيت"، وينقلب دوره من عابر سبيل إلى حارس، ومن مسؤولية مجهولة إلى مسؤولية واضحة المعالم.
ولذلك فإن من استقر الكلب عند بابه، واعتاد طعامه، ولم يبادر إلى ربطه أو ضبط سلوكه أو طرده، فقد صار مسؤولا شرعا وعقلا وعرفا وقانونا عن كل ضرر قد يسببه هذا الكلب للغير. هذه المسؤولية لا تقف عند حدود الأدب أو الذوق العام؛ بل هي مسؤولية يمكن أن تصل إلى التعويض القضائي، بل وحتى المسؤولية الجنائية في حال التسبب في أذى جسيم.
إن المجتمعات السليمة لا تبنى على النوايا الحسنة فقط؛ بل على وعي بالأثر المترتب على كل تصرف، ولو كان في ظاهره شفقة. فالرحمة مطلوبة؛ لكن من غير انفلات. والعطف على الحيوان مشروع؛ بل ومندوب؛ لكن ضمن حدود تُراعي السلامة العامة وحقوق الآخرين.
ومن هنا؛ فإننا نناشد الجهات الرسمية بتقنين هذه الظاهرة ووضع ضوابط واضحة لها، بحيث يتحمل من يرعى كلبا ضالا تبِعات تصرفاته، سواء عبر تسجيله أو ضبطه أو تحييده عن الأذى. كما نهيب بالإعلاميين والخطباء والدعاة إلى توعية الناس بخطورة هذا التهاون، وأن لا يتحول الحي السكني إلى "محميات" لكلاب تحظى بالرعاية بلا قيد ولا مسؤولية.
والخلاصة أن حماية الأرواح والممتلكات من الأذى مسؤولية مشتركة، تبدأ من وعي الفرد وتنتهي بقرارات الدولة. فليتحمل كلٌ نصيبه من الواجب، وليُحاسَب كل من تسبب في ضرر، ولو كان عبر كلب اتخذه لنفسه دون أن يضبط سلوكه.
والله تعالى أعلم.
ودمتم سالمين.