"النمرة الجبلية والراعي غانم قديح".. ملحمة شجاعة من جبال الصبيحة
في عام 1956، وسط الجبال الشاهقة والوديان العميقة في منطقة *مُلبية* التابعة لمديرية المضاربة - لحج، كتب راعيٍ بسيط يُدعى غانم قديح المشولي صفحة خالدة في كتاب الشجاعة الشعبية، مواجهة نادرة بين الإنسان والمفترس، بين البساطة والوحشية.
كان الوقت عصراً، والساعة تشير إلى الرابعة، حين خرج غانم يبحث عن شاةٍ من غنمه ضلّت عن القطيع. سار بخطى الراعي الواثق، يعرف الجبل كما يعرف راحة يده، حتى بلغ تلة عالية تُسمّى جبال الغرغور اللصبة. وقف هناك، يتأمل ويُنصت، ليخترق سكون الطبيعة صوت استغاثة غنمةٍ تصرخ في وادٍ قريب.
اقترب بحذر، فإذا به يشاهد مشهداً لا يُنسى:
نمرة مفترسة - أنثى فهد جبلي - انقضّت على الشاة وبدأت تلتهمها. لم يتردد غانم، رغم سلاحه البسيط: بندقية فرنساوي أو جرماني قديمة لا تحمل سوى رصاصة واحدة، أما بقية الرصاصات، فهي في حزام خاص بها.
صوّب بهدوء، وأطلق رصاصته الوحيدة، فأصاب النمرة في ساقها الأمامية. غير أن الألم زادها وحشية، فشاهدت الدخان المتصاعد من التلة المقابلة ، وعرفت موقع الخطر. بجنون الغريزة، انطلقت كالسهم نحو غانم، وفاجأته بوثبة مميتة، غرست مخالبها السليمة في رأسه، وهو يصيح مستنجداً.
لكن غانم لم يستسلم، أمسك برقبتها محاولًا خنقها، رغم الألم، رغم الدم، رغم أنه كان بين الحياة والموت.
وبينما هو يتصارع معها، سمع محمد العنس، أحد أبناء المنطقة، صوت الرصاصة، فهرع نحو الجبل مسرعا، وعندما رأى ما يحدث، لم يتردد: وضع فوهة سلاحه في فم النمرة، وأطلق النار. سقطت النمرة صريعة، لكنها لم تسقط وحدها… فقد تركت مخالبها مغروسة في رأس غانم
قام محمد على الفور بقطع يد النمرة ليُسعف غانم، ثم نُقل على متن سيارة الاحتلال الإنجليزي إلى مشافي عدن، حيث أُجريت له عملية جراحية دقيقة لاستخراج المخالب من جمجمته.
مرت الأعوام، لكن الندوب والجروح لم تختفيِ، وبقيت على جبين غانم شهادة حية تحكي للأجيال قصة رجلٍ واجه الموت، بشجاعة راعي وقلب صبيحي ٍ لا يعرف الخوف، في مواجهة مخلوق لا يعرف الرحمة.
غانم قديح… لم يكن بطلاً في كتاب، بل أسطورة من لحم ودم كتبتها الصبيحة على صفحة الجبل