إسحق النمل

كتب : حسين أحمد الكلدي 

كن أكثر وعيًا من أي وقت مضى بأن الأفكار السلبية التي تراودك من نفسك أو تهاجمك من أشخاص آخرين، بمختلف أنواعها، يجب عليك مجابهتها وتدرك أنها أفكار غير عقلانية. عندما تراودك تلك الأفكار أو تسمعها من أي شخص آخر أو من محيطك، عليك أن تسحقها. وكما قال الدكتور دانيال أمين، عالم الأعصاب والمحاضر في علم النفس الإكلينيكي: السر يكمن في علاقة الدماغ بالسلوك البشري. فقد أطلق على الأفكار السلبية السامة التي تغزو عقولنا اسم "النمل"، لأنها تعكّر صفو حياتنا وتفسد علينا الاستمتاع بالمكان أو الموقع الذي نحب أن نعيش فيه. وعندما أطلق مصطلح "إسحق النمل" أراد أن يعرّفنا أن الأفكار السلبية يجب سحقها تمامًا واستبدالها بالأفكار الإيجابية وتبنّيها في الحياة. وقال: لا تُصدّق أي شيء تسمعه... حتى في عقلك. من بين تلك الأفكار السلبية اعتقادك أن بعض الأمور تحدث لك دائمًا بصورة دائمة، أو أنك لن تحصل أبدًا على ما تريد. هذه التصورات قد تحكم عليك بالفشل، نتيجة تغذية عقلك بمثل هذه الأفكار غير الحقيقية، سواء استنتجتها بنفسك أو سمعتها من محيطك؛ في العمل، أو في مقاعد الدراسة، أو حتى داخل الأسرة. فقد تقول: "لا يحبونني مثل إخوتي"، أو "يفضّلون غيري عليّ"، أو "هذا الموظف سينال امتيازات أفضل مني". هذه التصورات تولّد في داخلك مشاعر سلبية تمنعك من التقدم والنجاح فيما تصبو إليه، لأن عقلك يركّز على السلبيات فقط فيعيق تطوّرك في وظيفتك أو دراستك وفي علاقاتك وحتى في حياتك الشخصية. وقد لاحظت هذا في إدارة بعض الشركات والمؤسسات؛ فبرغم النجاح المذهل لفريق العمل، يظل التركيز من قبل المدير على موظف أو اثنين أداؤهم ضعيف أقل من المطلوب، دون بذل جهد بسيط لرفعهم إلى مستوى بقية الفريق. وكذلك المدارس في الصفوف الدراسية، قد تجد أربعين طالبًا متفاعلين مع الأستاذ، لكن التركيز ينصبّ على ثلاثة أو خمسة مقصرين، من قبل الأستاذ ويُهمل الجهد في تغييرهم بسبب سيطرة الأفكار السلبية عليه وتسليطه الضوء على القلة القليلة دون التفاؤل بإيجابية لذلك لا تُبالغ في تضخيم أفكارك السلبية أو ما تسمعه من الآخرين. يجب أن تسحق "النمل"، وتحول مرشدك الداخلي السلبي إلى مرشد داخلي إيجابي يحرص على مصلحتك، لتصبح فائزًا بدلاً من خاسر. ولا تحمل الذنب تجاه نفسك وتلومها عن أي تقصير، أو كلمات تردّدها بعقلك عن الماضي مثل: "كان يفترض بي أن أكون طبيبًا"، أو "لو اجتهدت أكثر لصرت محاميًا"، أو "لو غامرت أكثر لكنت تاجرًا"، أو انا"ضيّعت وقتًا بعيدًا عن أسرتي وكان الأجدر أن أكون مع أولادي". هذه المشاعر السلبية الممزوجة بتأنيب الضمير وتحقير الذات بالنقص وتحطّ من قيمتك، فلا تسمح لعقلك أن يحمّلك صفات سيئة و يُلصقها بالآخرين. بل امنح الآخرين العذر فيما يبدر منهم؛ فإذا اتصلت بأحدهم ولم يُجبك أو لم يتواصل معك، لا تفسّر ذلك بأفكار سلبية. امنحه العذر وبدّل أفكارك إلى مستوى أعلى من الإيجابية. وفي هذا السياق نستحضر مقولة المؤلف جيمس ألين: "أنت اليوم موجود في المكان الذي أحضرتك أفكارك إليه، وستكون غدًا في المكان الذي ستأخذك أفكارك إليه."

16/8/2025