في عدن… العلم الجنوبي سيظل يرفرف مجدداً وسط صمتِ الرافضين وضحكات المؤيدين
عدن اليوم وفي صبيحةٍ غائمةٍ جزئياً بنسمات بحر العرب، سيضل العلم الجنوبي فوق عمودٍ خشبيٍّ قرب مبنى القصر والمعاشيق، معلناً بداية يومٍ جديدٍ من التلاحم والإصرار. بدأ القماش برمزيت ألوانه وكأنه لوحةٌ تحكي فصولاً من التاريخ والجغرافيا معاً: ألوانٌ تبدأ بالتضحيات، وتنتهي بالأمل.
فقد ارتفع في الأحياء المجاورة صدى اعتراضاتٍ خافتةٍ تلقفه جدران خور مكسر والقلوعة والمعلا، حيث يرى بعض السكان أن رفع العلم الجنوبي “خيارٌ بلا تأثيرٍ عمليٍّ أمام تحديات انقطاع الكهرباء وشحّ الخدمات”. ورغم هذا، التف حول العلم حشودٌ كبيرة من الجنوبيين، بينهم شيوخٌ وشبابٌ ونساءٌ، أخذوا يلتقطون صوراً لهم ومع العلم الجنوبي بأجهزتهم الخلوية، وكأنهم يوثقون لحظة ولادةٍ رمزيّةٍ جديدةٍ في المدينة.
ذهبت واحدة من وسائل الاعلام إلى موقع رفع العلم، فالتقت بأحد المؤيدين الذي قال إن “العلم ليس رفرفةً عابرةً، بل شرارةٌ لإعادة تذكيرنا بوجودٍ يطالب بحقوقه وحريته. قد لا نبنيه اليوم بدولةٍ مكتملةٍ، لكننا نبدأ دائماً من رمزٍ يجمعنا”. وأضاف: “في المرة الماضية، شهدنا كيف غرّد العلم الجنوبي فوق أسوار المدارس بعد ترميمها، وكيف توافدت القوافل الإغاثية تحته، حتى أصبح مرآةً لجسورٍ جديدةٍ من التضامن”.
في الجهة المقابلة، يعبر الموطنين عن مخاوفه من أن “يتحوّل رفع العلم إلى وسيلةٍ للاستعراض دون خطةٍ واضحةٍ تذكر. الناس بحاجةٍ خدمات وحقوق وإلى فرص عملٍ ومستشفياتٍ تعملُ بكامل طاقتها قبل أن نتفاخر بألوانٍ”. وجاء ردّ من ناشطةٍ جنوبية شاركت في جمعيةٍ لتنظيف الشوارع، قائلةً: “العلم لا يبني مستشفىً، لكنّه يولّد روح الانتماء التي تحفزنا لننظف هذا الشارع ، ولكن رفع العلم الجنوبي خطوةٌ أولى في كل مشروعٍ نقوم به.
في زاويةٍ أخرى، يرصد المواطنون كيف تشعّ النجمة الخماسية في ضوء الصباح، فتبدو أعینهم مبتسمةً وكأنّها تُنبئ بأن الأمل لم يمت ومازال . ثمة جملٌ تردَّدت على ألسنة بعضهم: “حين ترفرف الراية الجنوبية فوق أروقة المدينة، نعود أطفالاً نحلم بغدٍ أفضل”. أما من ينظرون إلى العلم بعينٍ شكاكةٍ، فيقولون إن “الألوان وحدها لا تُطعم جائعاً ولا تُشفي مريضاً”.
خلال الظهيرة،واتذكر ذات مرة شهدت ساحة البلدية وقفةً حضاريةً شاركت فيها مجموعاتٌ شبابيةٌ في حمل صناديقٍ غذائيةٍ وطبيةٍ وزعتها على أحياءٍ نزعت عنها الخدمات منذ سنوات. وعلى الرغم من بساطة المشهد، فإن أثره كان جليّاً في شعورٍ يشبه الاكتفاء الرمزيّ: العلم يعلو، والناس يتكاتفون، ولو كان برفق الاجتماعيّة الأولى.
قبل الغروب، التقت “واحدة من وسائل الاعلام الجنوبية” عدداً من الأطفال في ساحة مدرسةٍ قريبة، حيث كانوا يرسمون العلم بأيديهم على أسوار البحر. قالت إحداهم وهي تمسك بالفرشاة: “لوننا اليوم وفرشنا جدران المدرسة بهذا العلم كي لا ننسى أن لنا وطننا. نحن لا نفهم السياسة، لكن نعرف أن هذا العلم يجعلنا نشعر بالأمان”.
تعيد هذه الوقائع تأكيد أن العلم الجنوبي في عدن يتخطى كونه مجرد رمزٍ؛ فهو مؤشرٌ لمشاعر ولحظة انتماءٍ، ولحظة انطلاقةٍ تتطلب تكثيف الجهود العمل إلى جانبه. فهو اليوم إعلانٌ عن حلمٍ جماعيٍّ يرفض التسليم بالواقع الراهن، ويطالب بالسير بخطى مدروسةٍ وقوية نحو إعادة بناء المؤسسات وبثّ الحياة في شرايين المدينةواستعاة الدولة .
وبينما تُختم صفحةُ يومٍ جديدٍ في عدن، سيظل العلم الجنوبي مرفوعاً على امتداد سماء الأفق الجنوبي ، يراقبُ نبض المدينة ويستمع إلى صرخات وضحكات المؤيدين لة ويتلذذ بآهات وبكى الرافضين والمتخوفين . يبقى السؤال: هل يصبح هذا الرمز دعامةً لخطواتٍ محليةٍ تبنى عليها دولة الجنوب المستقبلية؟ أم يحتفظ بمكانه واشارةً رمزيةً إلى حين؟ الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة.