النحل كنز اليمن المنسي في يومه العالمي
في كل عام يحتفل العالم في العشرين من مايو بـ "اليوم العالمي للنحل"، هذا الكائن العجيب الذي يُعد أحد أعمدة الأمن الغذائي والتوازن البيئي والاقتصاد الزراعي في كل بلد. وبينما ترتفع الأصوات الدولية لحمايته ودعمه؛ يقف النحل في اليمن صامدا في وجه التحديات، حاملا بين جناحيه قصة نعمة عظيمة وفرصة اقتصادية قلّما يُلتفت إليها.
ليس غريبا أن يخصّ القرآن الكريم النحل بسورة كاملة وذكرٍ مفصّل لوحيٍ إلهيٍّ فطريّ: ﴿وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون﴾ [النحل: 68].
فالنحل ليس مجرد حشرة منتجة؛ بل مخلوق مهديّ بوحي الله، منظّم في عمله، بارع في بنائه، نافع في أثره، حتى قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمن مثل النحلة، لا تأكل إلا طيبًا، ولا تضع إلا طيبًا، وإذا وقعت على عود لم تكسره» [رواه أحمد].
يشكّل النحل حجر الزاوية في تلقيح الأزهار، وضمان استمرارية المحاصيل، والحفاظ على التنوع البيولوجي. وتشير دراسات بيئية حديثة إلى أن ما يقرب من 75٪ من المحاصيل الغذائية في العالم تعتمد جزئيا على التلقيح بالحشرات، وعلى رأسها النحل (منظمة الأغذية والزراعة – FAO، 2023). وهذا ما يجعل أي تهديد للنحل تهديدا مباشرا للأمن الغذائي.
ويمتلك اليمن إرثا عريقا في تربية النحل، ويُعدّ موطنا لأفضل أنواع العسل في العالم، كعسل السدر والسمر. وتقدّر بعض التقارير الصادرة عن مؤسسة العسل اليمني (2023) أن قيمة صادرات العسل يمكن أن تُشكّل موردا اقتصاديا حيويا؛ لو وُجد الدعم الكافي والتسويق الجيد والبيئة المناسبة...
لكن الواقع مختلف: يقول أحد النحالين من محافظة ريمة:و"نحن نموت مرتين، مرة حين تموت خلايانا، ومرة حين نموت جوعا ونحن ننتج ذهبا لا يُشترى".
كلمات تختصر أزمة كبيرة يعيشها القطاع: قلة الدعم، ضعف التدريب، غياب البحث العلمي، صعوبة التصدير، وانعدام حملات التوعية المجتمعية...
من غير المعقول أن نمتلك ذهبا لا نُحسن جمعه، وكنزا لا نُحسن استثماره. كيف تُهمل دولةٌ موردا طبيعيا له القدرة على مكافحة البطالة، وتنمية الريف، وتمكين المرأة، ودعم الاقتصاد الأخضر؟ أليس من العار أن تُقابل هذه النعمة بهذا الجفاء؟
والطريق نحو تخطي هذه التحديات إنما يتمثل في:
- الدعم الحكومي والتمويل الصغير للمربين.
- تدريب النحالين على الأساليب الحديثة.
- فرض قيود على المبيدات الضارة بالنحل.
- إطلاق حملات توعوية بقيمة النحل في التعليم والإعلام.
- تشجيع الأبحاث العلمية والابتكار في هذا المجال.
النحل يُعلّمنا النظام، والإتقان، والعمل الجماعي، والتخصص، والطهارة، والنفع العام.
فهلّا تعلمنا منه؟ وهلّا صرنا أمة "لا تأكل إلا طيبا، ولا تضع إلا طيبًا"؟
في يومه العالمي، فلنرفع أصواتنا من أجل النحل، من أجل أنفسنا، من أجل اليمن!
ووفق الله الجميع!
ودمتم سالمين!