حكاية وطن بين زمنين الذكرى الـ31 لفك الارتباط

في جعار، المدينة اللي تحتضن جبل خنفر بشموخه، ووادي بناء بجماله، تتقلب أمواج الذكريات بين الماضي والحاضر، وكأن كل ذكرى تحمل معها صوتًا لا يُنسى. اليوم، ونحن في الذكرى الـ31 لفك الارتباط، نسترجع اللحظة التي غيرت مسار التاريخ الجنوبي.  

21 مايو.. صوت الراديو والتاريخ الذي تغيّر 

كان البيت يعج بالحركة، لكن الصمت كان سيد اللحظة، كأن الأنفاس محبوسة في انتظار صوت سيغيّر التاريخ. كنت صغيرة، لكني أتذكر كيف التفت الجميع حول الراديو، كيف كانت موجاته تتداخل، كأنها تقاوم ثقل الزمن قبل الإعلان الكبير. فجأة، جاء الصوت واضحًا، حازمًا، لا يرتجف:  

"إعلان فك الارتباط... انتهت الوحدة التي لم تحافظ على العدالة." 

كنا جلوسًا حول المذياع، نتابع كل كلمة وكأنها قطعة من مصيرنا. الأنفاس تتسارع، العيون تترقب، وأخيرًا جاء صوت علي سالم البيض يعلن القرار التاريخي. الكلمات خرجت قوية، واضحة، تشبه جدار جبل خنفر في صلابتها. أبي أمسك سماعة الراديو بيديه، كأنه يمسك لحظة لن تعود، ثم نظر بعيدًا، نحو الأفق، وقال بصوت ممتلئ بالأمل وكأنه يهمس للجنوب كله: "هذا يومنا."

وجع الحروب.. الصراع من أجل البقاء

لكن الأمل كان على موعد مع امتحان قاسٍ. جاءت حرب 1994 كعاصفة لم تُبقِ ولم تذر، اجتاحت المدن، وحاولت أن تخمد صوت الجنوب. صار الوطن يتنفس بصعوبة، لكنه لم يفقد هويته. ثم جاءت حرب 2015، وكأن الجنوب كان يبعث برسالة جديدة:  

"لا موت بعد اليوم، نحن نحيا رغم الألم."

في كل شارع، في كل معركة، كان الجنوب يثبت أنه لا يمكن طمسه، وأن هويته ليست قابلة للانكسار.  

الحلم الجديد.. وطن فدرالي بملامح عادلة

اليوم، ونحن نقف أمام الذكرى ، لم يعد المطلب مجرد فك ارتباط، بل إعادة تشكيل دولة تراعي تنوعها، دولة فدرالية، كل محافظة تحكم نفسها، بعيدًا عن مركزية قاتلة.  

الجنوب لم يكن لحظة عابرة في التاريخ، الجنوب حكاية كتبها مناضلوه بدمائهم، وصاغها شعبه بصبره، وها هو اليوم يكتب فصلًا جديدًا، عنوانه العدالة، ومضمونه الوطن الذي يستحقه الجميع.