الإيمان عقد ميثاق بين العبد وربِّه ( 7 )
بقلم: عبدالله محمد الجفري
هل الحرص على الفرقة والاختلاف محبط للعمل ناقض للإيمان ؟
يقول تعالى : {{ يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانك كافرين (100) وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم (101 }}[ آل عمران ] يروى ابن جرير الطبري سبباً لنزول هذه الآية . قال : حدثنا ... عن مجاهد قال : كان جماع قبائل الأنصار بطنين , الأوس والخزرج وكان بينهما في الجاهلية حرب ودماء , و شنّآن - كراهية - حتى منّ الله عليهم بالإسلام وبالنبيِّ صلى الله عليه وسلم , فأطفأ الله الحرب التي كانت بينهما وألف بينهم بالإسلام , قال : فبينما رجل من الأوس ورجل من الخزرج قاعدان يتحدثان , ومعهما يهودي جالس , فلم يزل يذكرهما أيامهما , والعداوة التي كانت بينهما , حتى استبّا , ثم اقتتلا , قال : فنادى هذا قومه , وهذا قومه , فخرجوا بالسلاح , وصف بعضهم لبعض . قال : ورسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد يومئذ بالمدينة , فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلم يزل يمشي بينهم إلى هؤلاء وإلى هؤلاء ليسكنهم , حتى رجعوا , ووضعوا السلاح . ونزلت الآية " ويفسرها بقوله :" يا أيها الذين صدقوا بالله ورسوله , وأقروا بما جاءهم به رسول من عند الله .. إن تطيعوا جماعة ممن ينتحل الكتاب , من أهل التوراة والإنجيل , فتقبلوا منهم ما يأمروكم به يضلوكم , فيردوكم " كافرين " أي جاحدين لما قد آمنتم به وصدقتموه , من الحق الذي جاءكم من عند ربّكم . فهؤلاء كادوا أن يعودوا إلى أيامهم في الجاهلية , ثارت الكراهية والبغضاء , واصطفوا للقتال وكادت أن تنشب الحرب بينهم , بسبب اليهودي , نسوا ما قال الله تعالى للحظات فتداركهم رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأنقذهم من شفاء حفرة من النار .
جاء الإسلام فوحَّد القبائل العربية في وحدة سياسية وفكرية وعقدية واحدة , وجعلهم أمة واحدة ألف الله بين أفرادها ,وقبائلها , قال تعالى :{{ وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم }} . كانت الوحدة العربية الإسلامية كافية لأن تشرق على العالم نور حضارتها فأشرقت الأرض بنور ربِّها . فهذه هي الصورة التي يجب أن يكون عليها الإسلام . ولكن ما نقدمه نحن اليوم عن الإسلام ليس هذا النور ولا هذه الإشراقة , نحن اليوم فرق مختلفة كل فرق تسبُّ أختها وتلعنها وتقطع الصلات معها ولا يوجد أي جامع يمكن أن تتفق عليه هذه الفرق لتجسير الهوة والفرقة بينهم وإعادة الوحدة الإسلامية كما كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم , وكل فرقة تدعي أنها وحدها الفرقة الناجية , وأنها الفرقة التي كان عليها النبي وأصحابه . ثم تنبز الفرق الأخرى وتقاطعها وتتصارع معها وتؤجج التنازع معها . أهكذا كان الرسول وأصحابه ؟
ما الذي عصينا الله فيه في هذه الفرقة والانقسام ؟ وهل هي محبطة للإيمان ؟ يقول تعالى عن قوم موسى :{{ وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون ثمَّ أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرمٌ عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض }}[ البقرة : 84 - 85 ] الله حرَّم على أهل الكتاب أن يقتل بعضهم بعضاً , أو يخرج بعضهم بعضاً من داره , ولكنهم تفرقوا وانقسموا فبعضهم تحالف مع الأوس وبعضهم مع الخزرج , واقتتل اليهود مع بعضهم , وكانوا يخرجون بعضهم من ديارهم وهو محرم عليهم إخراجهم يتظاهرون عليهم بالإثم والعدوان كأن يتهمونهم بأنهم أهل بدعة , أو كفر أو غير ذلك مما يزينه الشيطان لهم , فينسيهم ذكر الله وأمره , وإذا أسر منهم يهودي فادوه , لذلك عاب الله عليهم نقضهم ميثاقهم , والخضوع لأهوائهم , والإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعضه , فقد سمى القتل كفراً كما قال ابن رجب . فهؤلاء عصوا الله في مسألتين : قتل بعضهم وإخراج البعض الآخر . فما هي المعاصي التي نرتكبها نحن في تفرقنا وانقسامنا إلى فرق ومذاهب وأحزاب ؟ لا شك أن معاصينا أكثر . منها : عدم طاعة الله في الاعتصام بكتابه . وعصيانه إذ تفرقنا إلى مذاهب وفرق وأحزاب كما تفرق أهل الجاهلية وأهل الكتاب ,ونتنابز بالالقاب وقد نهانا الله عنها ونغتاب بعضنا وقد نهينا عن ذلك ولا نتعاون على البر والتقوى كما أمرنا ولسنا كالجسد الواحد كما يجب بل أجساد كثيرة متنافرة ولسنا صفا واحد ودعانا الله للدخول في السلم فعصيناه .. يا الله ماذا اقترفنا بتفرقنا .وعظمت المعصية بأن كل فرقة تورث الكراهية والبغضاء لغيرها وتحرص عليه وتحرض اتباعها وتؤلبهم ضد الفرق الأخرى , يتوارثون العداء لبعضهم كما يتوارثون المال , يتنازعون يتقاتلون ويتنابزون بالألقاب , لا يرجعون إلى الله ورسوله لمد جسور الود والألفة , بل إلى قلوبهم وأهوائهم وما قاله كبراؤهم وعلماؤهم . هل هذا محبطة للعمل ؟ إنها معاص ومنها كبائر , فماذا ستبقي لنا من إيماننا ؟ وسترى في العدد التالي ما هي المعاصي التي نرتكبها فوق هذه وندعو الله ألا تحيط بنا فترمينا في النار وتسجلنا عند الله من الكافرين , ونحن نظن أننا نعبده وحده وأننا على الدين . فهل نعبده بما أمر به ووفق منهجه أم نعبده بما نهوى وبما قاله علماء الفرقة والتنازع والشتات ؟ هل تصدق أننا نتوارث العداء لبعضنا البعض اتباعا للفرقة التي نتبعها ... اهذا هو اتباع السنة النبوية وسنة الصحابة رضي الله عنهم ؟