عشر ذي الحجة: أيام تتلألأ بنور الإيمان وتسمو بها الأرواح
بقلم: صفاء المليح
في رحاب الزمان، تأتي عشر ذي الحجة كنجوم متلألئة في سماء الإسلام، تضيء دروب القلوب وتفتح أبواب الرحمة والسكينة. هي أيام عظيمة، ميزها الله بين سائر الأيام، حيث تتلاقى نفحات الإيمان مع أفعال الخير في أبهى صورة.
تلك الأيام المباركة تحمل في طياتها أجمل فرص التوبة والرجوع إلى الله، فرصة لتجديد العهد مع الخالق، والإكثار من الذكر، والصيام، والتقرب إليه بالقلب واللسان والعمل. ففيها تتضاعف الحسنات، وتزهر النفوس بخشوع لا يشوبه إلا الرضا والسكون.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام – يعني أيام العشر – قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء." (البخاري)
ويبلغ عطر هذه الأيام ذروته في يوم عرفة، ذاك اليوم الذي تصفد فيه الشياطين وتفتح فيه أبواب السماء، فيقف فيه الحجاج على جبل عرفات بخشوع وتضرع، مستشعرين عظمة الله وغفرانه. هو يوم يستجيب فيه الدعاء، ويُكتب فيه العتق من النار، يوم يحمل في طياته مفتاح الرحمة والنجاة.
يقول الشاعر:
"يوم عرفة إذا حضرت المنايا * يبعث الله الرحمة ويفتح الأبواب
تلك ساعة لا يرد فيها دعاء * إلا لمن دعا الله بخشوع وإخلاص"
ثم تأتي الأضحية، لتكون تجسيدًا حيًا لقصة الإيمان والتفاني، قصة النبي إبراهيم عليه السلام مع ربه، تذكرنا بأن التضحية في سبيل الله هي أعظم هدية نُهديها لروحنا، وأسمى تعبير عن الإخلاص والطاعة.
قال تعالى:
"فصل لربك وانحر" (الكوثر: 2)
فالأضحية ليست مجرد ذبح، بل هي رمز للعطاء، والوفاء، والتسليم الكامل لمشيئة الله.
عشر ذي الحجة ليست مجرد أيام تمر، بل هي منارات تهدي النفوس إلى دروب السعادة والرضا، وتعلمنا أن العبودية لله وحده هي سر الحياة وبهجتها. فلنجعل من هذه الأيام فرصة لنرتقي بأرواحنا ونزكي أنفسنا، لنحيا في حب الله وننال رضاه.