تريم الغنّاء … مشاهدات من قلب تجربة إنسانية وتعليمية فريدة

كانت بداية رحلتنا من عدن الحبيبة صوب تريم الغناء برفقة عائلتي الصغيرة، انطلقنا إلى تريم الغناء في تمام الساعة الثانية والنصف ظهراً يوم الخميس 23 مايو 2025، وصولاً بمدينة عتق، ومدينة العبر، ومدينة سيئون، حتى وصلنا تريم الغناء في يوم الجمعة الساعة الثامنة مساءً، وبدأت رحلتنا في تريم الغناء من تاريخ 24 مايو وحتى 29 مايو، حظيت بفرصة ثمينة لزيارة مديرية تريم الغنّاء ضمن مهمة إشرافية لمتابعة سير التعليم التعويضي. كانت أيامًا لا تُنسى، امتلأت بالجمال الإنساني، والتفاعل التربوي البنّاء، والمشاهد الروحية والثقافية العميقة التي ترسّخت في الذاكرة.

منذ اللحظة الأولى، شعرت بأنني في حضن مدينة من نور، مدينة يتنفس أهلها العلم والدين، ويتعاملون بأخلاق نادرة تعكس تاريخًا عريقًا وأصالة متجذّرة، تعرفت خلالها على أناسٍ جدد، معلمين ومعلمات مخلصين، ومسؤولين ذوي خلق وتواضع، يتقدمهم "مدير إدارة التربية والتعليم، الأستاذ الفاضل أحمد محفوظ بارفيد"، ذلك الرجل صاحب السمت الوقور، والهدوء الكبير، وحُسن التعامل، الذي يجسد القائد التربوي المتزن والمخلص.

وكان من أبرز من سعدت بلقائهم، "المدير العام لمديرية تريم"، "الأستاذ القيادي المتواضع حسن جعفر مولى الدويلة"، الذي لمست فيه روح المسؤولية والالتصاق الحقيقي باحتياجات المواطنين، إلى جانب الأمين "العام للمجلس المحلي الأستاذ علي حسن صبيح"، الذي يعكس نموذجًا مشرفًا للمسؤول الواعي والمخلص.

ولا أنسى الرجل الذي كان أول من تعرفت عليه في تريم، ذاك الذي يفيض خُلقًا جمًا وأدبًا كبيرًا، "الأستاذ القدير علي سالم سويدان، رئيس التعليم التعويضي في المديرية"، والذي شكّل اللقاء به بوابة رحبة لفهم روح تريم ومبادئها النبيلة.

كما سعدت بالتعرّف على عدد من مدراء المدارس الذين شعرت وكأني أعرفهم منذ زمن، لطيبة قلوبهم وصدق تعاملهم، وكأنهم يجسّدون المعنى الحقيقي للبساطة والاحتواء.

وكان لزيارتي بعدٌ آخر مفعم بالكرم والاحتفاء، حيث استقبلني الأخ العزيز "الأستاذ حسن مصطفى الحداد" الذي بالغ في إكرامنا، وخصّنا بعناية كريمة لا تُنسى، فله مني كل الشكر والتقدير، كما لا يفوتني أن أذكر "ابنه الشاب علي حسن مصطفى الحداد"، الذي رافقنا في جولات ميدانية وعرّفنا على كثير من مناطق تريم، فكان دليلًا محبًا ومثقفًا ومصدرًا للفخر.

وفي مدينة سيئون، كان لي لقاء لا يقل دفئًا وإنسانية، حيث استقبلني الأخ "الفاضل دنبع علي دنبع" بكل حب وترحاب، وخصّنا بكرم ضيافة لا يُنسى، فله مني جزيل الشكر والتقدير.

كانت الزيارة كذلك فرصة لاكتشاف البعد الحضاري والثقافي لتريم، زرت جامع المحاضر التاريخي، ذلك المعلم الروحي والعلمي الذي يحتضن عبق التاريخ وأصالة الدين، كما زرت دار المصطفى، منارة العلم العريق التي لا تزال تنشر نورها في الآفاق.

وقد طفتُ في عدد من قرى مديرية تريم برفقة زميلي الباحث أنيس القطيبي، فزرنا قرى عينات، ودمون، والواسطة، والقوز، وقسم، حيث استقبلنا الأهالي بترحاب لا يوصف، وكرم أصيل يعبّر عن عمق هذا المجتمع وطيبته.

القرى هناك تنبض بالحياة، والأهالي يتميزون بالطيبة والكرم، يعيشون في استقرار اجتماعي وأمن حقيقي، قلّ أن تجده في كثير من المناطق، ما شدّني هو الشعور العام بالرضا، والوجوه البشوشة التي تقابلك في كل مكان، وكأن تريم وأهلها خُلقوا ليكونوا رسلاً للسلام والخير والمحبة.

خرجت من تريم وأنا أكثر يقينًا أن اليمن، رغم التحديات، لا يزال يختزن كنوزًا بشرية وثقافية وروحية عظيمة. تريم هي واحدة من تلك الجواهر التي يجب أن نحافظ عليها، ونتعلم منها، ونستمد منها الأمل في بناء يمنٍ أفضل.

رحم الله من قال: "الناس مواقف"، وأنا أقول: "تريم مواقف وإنسانية وأصالة وضياء".

واعتذر عمن نسيت ذكر اسمه سهواً وليس عمداً، كما اعتذر لكل قرائي ومحبي على الإطالة في هذا المقال، ولكن متعة وجمال تريم فرض عليّ هذه الإطالة..

وفي الختام، لا يسعني إلا أن أبارك لأحبتي جميعًا حلول عشر ذي الحجة لهذا العام 1446هـ، سائلاً الله أن يجعلها أيام خير وبركة، وأن يتقبل من الجميع صالح الأعمال، ويكتب لنا فيها القبول والرضوان.

ودمتم سالمين