بلانا بهم ربي
بقلم: أ.د مهدي دبان
القارئ الحصيف للتاريخ، و المتدبر في شؤونه، لا يلبث أن يرى العبر والدروس تتكرر أمامه، في مشاهد معادة لا يتعلم منها أصحابها، وكأنهم يعيدون ذات الأخطاء في نسخة باهتة من ماض لم يطو صفحاته بعد. وأكثر من يتجاهل تلك العبر هم أولئك الذين يتولون شؤون الشعوب، و يعهد إليهم أمر تدبير مصالح الناس وتسيير حياتهم.
إن المحافظة على السيادة، وقوة الشخصية، والحنكة في إدارة الأمور، صفات جوهرية يجب أن تتجلى في كل من أراد أن يقود، ويطمح لأن يقيم دولة مهابة، راسخة، لها كلمتها ومكانتها بين الأمم. فالدولة لا تُبنى بالشعارات، بل تُقام بالمواقف، و تحترم بثبات المبدأ، و تُهاب عندما يقف قادتها شامخي الهامة، لا يترددون في الدفاع عن كرامة أوطانهم.
لكنّ المتابع لما يجري، وما يقال من تصريحات بين الحين والآخر، من بعض القيادات التي يفترض بها أن تفتح للشعوب أبواب النجاة، لا يجد إلا الخنوع والانكسار والضعف... وهي صفات ما دخلت أمة إلا أنهكتها، ولا ظهرت في قيادتها إلا جرت عليها الذل والتشظي والضياع.
بلانا بهم ربي... فجعلوا من عزنا ضعفا، ومن قوتنا تشتتا، ومن حلمنا سرابا. ولو أنهم قرأوا التاريخ حقا، وفهموا دروسه، لعلموا أن الشعوب لا تنهض بقيادات منهزمة، وأن المجد لا يصنعه من يرضى بالدونية ويستطيب الذل.