لماذا يفرح المسلم في عيد الأضحى؟
في زمنٍ كثرت فيه الأعياد، وتعددت فيه المناسبات؛ يظلّ عيد الأضحى مختلفا؛ ليس فقط في الشعائر؛ ولكن في الروح والمعنى والفرح.
يفرح المسلم في عيد الأضحى؛ لكن فرحه ليس صاخبا مجنونا، ولا عبثيا مفرغا من المعنى؛ بل هو فرحٌ مقدّسٌ نابعٌ من القلب المؤمن، فرحٌ يحمل في طيّاته ذكريات الطاعة، ومشاعر التضحية، ونور القرب من الله.
من أعظم ما يُفرح في عيد الأضحى أنه يأتي بعد موسمٍ عظيمٍ من العبادة. عشرة أيام هي أفضل أيام الدنيا، شهدت فيها القلوب توبة، والألسن ذكرا، والركب سجودا، والجيوب صدقات، والنفوس تضحية. قال ﷺ: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام» أي العشر من ذي الحجة.
فمن وفّقه الله إلى الطاعة فيها؛ من صام أو قرأ أو سبّح أو تصدّق، فليفرح بعيد الأضحى؛ لأنه عيد الجائزة، تماما كما يفرح الصائم في عيد الفطر بإكمال رمضان؛ فـ"عيد الفطر" فرحُ من أتمّ الصيام، و"عيد الأضحى" فرحُ من أتمّ أيام الطاعة والتكبير والتقوى.
ويفرح المسلم لأن هذا العيد هو تاج مناسك الحج. فيه يقف الحُجّاج في مشهد التجرّد والتوبة والبكاء في صعيد عرفات، ثم يفيضون إلى منى، ويذبحون، ويكبّرون، ويُعلنون خضوعهم الكامل لله.
يفرح من لم يحجّ؛ لأن قلبه كان مع الحُجّاج. يدعو لهم، ويتشبه بهم في الذكر والصيام. وإذا صام يوم عرفة، نال أجرا عظيما؛ قال ﷺ: «أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله والسنة التي بعده».
وذبح الأضحية ليس عادة ولا مظهرا اجتماعيا؛ بل هو عبادة عظيمة، وشعيرة ربّانية تُعبّر عن الاستسلام الكامل لله ﴿لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم﴾
يفرح المسلم لأنه قدّم شيئا لله. فرحٌ لا بلحم الأنعام؛ بل بخضوع القلب، وطاعة الجوارح، واستحضار مَوقف إبراهيم الخليل حين قال: ﴿يا بنيّ، إني أرى في المنام أني أذبحك﴾، فقال إسماعيل: ﴿يا أبتِ افعل ما تؤمر﴾
وهكذا يتعلّم المسلم في العيد أن يذبح هواه، ويقدّم رضا ربه على شهواته، ويفرح لأنه ينتصر على نفسه لا على غيره.
قال ﷺ: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكرٍ لله»؛ فيفرح المسلم لأن الله شرع له الفرح، وجعل العيد زمانا للفرح المباح، لا الفجور، وزمانا للذكر لا للغفلة. يفرح حين يكبّر، ويقول: "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد"
تكبير يملأ القلب طمأنينة، ويملأ البيت نورا، ويملأ المجتمعات بهجة ربّانية.
في عيد الأضحى، لا يُذبح ليتفاخر؛ بل ليُطعم الفقير، ويُفرِح المحروم، ويشارك الجميع في النعمة ﴿فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير﴾
يفرح المسلم لأنه يرى لحظات المشاركة الحقيقية:
- الجار يُهدي جاره.
- الفقير يجد ما يفرحه.
- الأُسَر تتصالح.
- الأرحام تتواصل.
- الناس تتكافل.
إنه عيدٌ تتوزّع فيه البركة كما يُوزّع اللحم، وتُبعث فيه المودّة كما تُبعث التكبيرات في السماء.
قال ابن القيم رحمه الله: "العيد لمن تقبّل الله صيامه، لا لمن لبس الجديد. العيد لمن غُفر له، لا لمن زُيّنت داره"؛ ففرح المسلم في العيد هو فرح الطاعة، وطمأنينة القلب، وعِزّة الإيمان.
عيد الأضحى ليس يوما عابرا من الضحك؛ بل هو لحظةٌ يبتسم فيها القلب؛ لأنه قريب من الله. أليس هذا الفرح هو أعظم الأفراح؟!
أدام الله أفراحكم بطاعته!
ودمتم سالمين!