طاقة بلا اتجاه!

في كل حي، وكل مدرسة، وكل مؤسسة، هناك شخص يبهرنا بفكرته، يدهشنا بومضاته، ثم يختفي. يبدأ مشروعا، ولا يُكمله. يتحمس لفكرة، ثم يتركها. يُتقن عشر مهارات، لكنه لا يُخرج منها ثمرة ناضجة. نتعجب من طاقته… ونتألم من ضياعها.

هذه الفئة ليست فاشلة؛ بل هي من أكثر الناس موهبة ونشاط؛ لكنها واقعة في فخٍ نفسي وعقلي؛ الإنجاز بلا اتجاه. عقولهم تعمل كأجهزة عالية السرعة بلا بوصلة. ينتقلون من مهمة لأخرى، وفي داخلهم بركان من الإبداع، لكنه يبحث عن مخرج من فوضى الإنجاز.

هذه ليست مبالغة إعلامية؛ بل وصف دقيق لحالة يعاني منها كثيرون، وتُعرف علميا بخلل في الوظائف التنفيذية في الدماغ، ويصحبها أحيانا 'فرط الإبداع' أو اضطرابات مثل نقص الانتباه. وغالبا ما تكون مصحوبة بسمات نفسية مثل السعي للكمال، أو الخوف من الفشل، أو التردد، أو التشتت العصبي.

لكن في خضم هذه الفوضى، يسطع نور الهداية من الإسلام، الذي لم يُنكر الطاقة! بل وجّهها. لم يُحبط أصحاب المواهب؛ بل ربط بين الإتقان والعبادة. قال النبي ﷺ: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه».

فالإسلام يُعلمنا أن الإنجاز لا يكون بكثرة المشاريع؛ بل بحسن التوجيه، وأن الإبداع يحتاج إلى بيئة ترعاه؛ لا إلى مجتمع يجلده بلومٍ دائم.

فكيف ننقذ هؤلاء؟

الخطوة الأولى: تقبّلهم لا تحقيرهم، وتفهم طبيعة تفكيرهم بدل تسميتهم "كسالى" أو "متقلبين".

الخطوة الثانية: توجيه طاقاتهم نحو مجالات مرنة ومفتوحة: الفنون، الكتابة، البرمجة، الإعلام، التعليم الإبداعي، الاستشارات، القيادة الفكرية...

الخطوة الثالثة: توفير بيئة عمل تسمح بالتنقل العقلي والتعبير الحرّ، وتُشجع على طرح الأفكار مع تكليف غيرهم بالتنفيذ.

ثم زرع الثقة في داخلهم بأن لهم دورا، حتى لو لم يكونوا موظفين تقليديين أو مدراء صارمين.

أما هم، فالمطلوب منهم أن يعرفوا أن الدعاء والذكر هما زادهم في طريق التوازن. أن يردّدوا كثيرًا: "لا حول ولا قوة إلا بالله"؛ فهي، كما قال د ﷺ، «كنز من كنوز الجنة»

وليضعوا أيديهم على قلوبهم، ويقولوا:

"يا رب، خذ بناصيتنا إلى العمل الصالح، والإنجاز المثمر، والنهاية السعيدة". قال الشاعر:

إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى

فأول ما يجني عليه اجتهاده

رسالة أخيرة إليك أيها المبدع:

أنت لست مشكلة؛ بل فرصة تنتظر التنظيم.

أنت لست تائهًا، بل نجمة تحتاج إلى مدار.

ومجتمعك لن ينهض بدونك، فانهض؛ ولكن بهدوء، وارفق بنفسك، وتوكّل على الله.

وللمجتمع نقول:

لا تقتلوا الإبداع؛ لأنه غريب الشكل،

ولا تطفئوا نورا؛ لأنه لا يشبه مصابيحكم.

ووفق الله الجميع لما يحب ربنا ويرضى!

ودمتم سالمين!