عدن... من رائدة للفكر إلى زمن الكهف
بقلم: أ.د مهدي دبان
عدن… الفاتنة الجميلة، بوابة الهند، ولؤلؤة التاج البريطاني، المدينة التي كتبت التاريخ بمداد من العلم والأدب والفكر، المدينة التي أشرقت منها شمس الوعي العربي، وفي أزقتها تربى مفكرون، وأدباء، ومناضلون، وقادة، وساسة، وعلماء دين من طراز فريد.
تلك المدينة، التي كانت سيرتها تُروى بإجلال، ويُشاد بأهلها في كل المحافل، بلغت اليوم حالاً يندى له الجبين، وتدمع له العين، وتُخنق له الحناجر خجلاً وألماً…
ما الذي جرى لعدن؟
ما الذي اقترفته منا حتى نكوي خاصرتها، ونغرس الإهمال في قلبها، ونتجاهل تاريخها وروحها؟
عدن اليوم تعيش أسوأ مراحلها… مرحلة منحدرة فكريا وقيميا، إلى حد لا يقره عقل، ولا يقبله منطق.
لم نعد نُكرم فيها أدباءها، ولا نقدر فكر علمائها، بل أصبحنا شهودا على مجازر تُرتكب في حقها، جهارا، نهارا، دون رادع، ودون خجل.
أي انحدار هذا الذي نراه يتجلى بأبشع صوره؟
حين تُستبدل رمزية "ضيف الشرف" الذي يُكرَّم لحمولته الفكرية والتاريخية، بشخص كل ما يُقدمه أنه خلع قميصه، وتبختر عاريا، مزينا رأسه وصدره بالصدف، ومتوجا بلقب "رجل الكهف"؟
لست ضده، لكني ضد من يصور أن عدن باتت تُمثّل برجل كهف يختبئ تارة، ويغير هيئته تارة، فقط للفت الانتباه!
أي صورة هذه؟!
إذا أصبح هذا هو معيار الاحتفاء والتكريم، فكيف لا تنهار القيم؟ وكيف لا تُهدر الذاكرة؟ وكيف لا يغيب المجد؟
عدن لا تبكي اليوم… بل تنزف،
تنزف من الغياب القاسي من تهميش رموزها، من إقصاء العقل، ومن رفع الجهل إلى منصة الاحتفاء والظهور.
عدن لم تُخطئ، ولم تُقصر، ولم تُذنب،
عدن وهبت الكثير، وأعطت أكثر مما أخذت، لكنها تُجلد كل يوم بسياط من الجحود، والتهميش، واللامبالاة.
فلنقف وقفة صدقٍ مع أنفسنا،
فلنراجع أخلاقنا وضمائرنا، قبل أن تتيه عدن كليا في زحام التفاهة، ونفقد ما تبقى من روحها العظيمة.
عدن ليست مدينة عابرة،
إنها وجدان وطن، ونبض حضارة، ومرآة هوية،
وإن ضاعت عدن، فقد ضاعت بوصلتنا… وضاع معها الاتجاه.