عيد الغدير خرافة طائفية بلباس ديني

في خضم الصراعات الفكرية والسياسية التي تشهدها المنطقة العربية؛ يطفو على السطح بين الحين والآخر ما يُسمّى بـ"عيد الغدير"، في محاولة لتغليفه بثوب ديني وشعائري. وهو في حقيقته ابتكار طائفي محض، يهدف إلى إعادة تشكيل الوعي الديني والاجتماعي بما يخدم أجندات سياسية مغلّفة بشعارات دينية.

فالدين الذي أنزله الله على خاتم الأنبياء محمد ﷺ، قد اكتمل واكتفى. قال تعالى: ﴿ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَـٰمَ دِينٗا﴾، فلا زيادة فيه تُقبل، ولا نقصان يُحتمل، ومن زاد فقد اتهم الشريعة بالنقص، ومن أنقص فقد أساء الظن بكمالها، والعياذ بالله.

وقد حذر النبي ﷺ من إدخال البدع في الدين، فقال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد».

بل أكد: «كل بدعة ضلالة»، ما يجعل كل ممارسة دينية لم ترد في القرآن أو السنة – كعيد الغدير – مردودة على أصحابها.

يرتبط ما يسمى بـ"عيد الغدير" بادعاء أن النبي ﷺ نصّبَ علي بن أبي طالب رضي الله عنه خليفة للمسلمين في موقع "غدير خم"، وأن ذلك جرى في يوم 18 من ذي الحجة، مما جعله عيدا في معتقدات بعض الطوائف. غير أن هذا الادعاء لا يصمد أمام حقائق التاريخ ولا أصول الشريعة.

فالنبي ﷺ، في غدير خم، لم يقل ما يُفهم منه نصٌ سياسي أو تعيين لخلافة، بل قال: «من كنت مولاه، فعلي مولاه. اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه»، وهذا الحديث، وكما أجمع عليه جمهور العلماء، لا يحمل دلالة على الإمامة؛ بل يدل على المحبة والولاء والنصرة، شأنه شأن حديثه ﷺ في حق الأنصار: الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق»،

ولم يقل أحد بأن الأنصار بذلك أصبحوا خلفاء الأمة!

فلو كانت هناك بيعة لعلي رضي الله عنه، فلماذا لم يعلنها النبي ﷺ في خطبة الوداع أمام مئة ألف مسلم؟ ولماذا لم يحتج علي نفسه بذلك حين بويع أبو بكر؟ بل بايع علي الثلاثة الخلفاء بعد النبي ﷺ، وشارك في الشورى، وزوّج ابنته لعمر، ووقف صفا واحدا مع الأمة، وليس مع ادعاء مظلومية مختلقة.

تؤكد الروايات التاريخية أن أول من ابتدع هذا العيد كان "معز الدولة البويهي" سنة 352هـ، ضمن مشروع مذهبي سياسي يهدف إلى دعم الإمامة الفاطمية الشيعية، وليس كعبادة أو شعيرة دينية. ثم جرى استنساخ الفكرة لاحقا في اليمن على يد الإمام المتوكل إسماعيل بعد ترحيل الأتراك في القرن الحادي عشر الهجري، مما يدل على أنها بدعة طارئة لا أصل لها في الإسلام، ولا حتى في التاريخ الزيدي.

وراء هذه البدعة أهداف متعددة، تصب جميعها في مسارات التفرقة والهيمنة، ومنها:

- ترويج الاصطفاء العرقي؛ حيث يُطرح آل البيت كطبقة فوق الأمة، يحتكرون الحق، ويُنسب إليهم الحكم باسم "الحق الإلهي"، في مصادمة صريحة لقوله تعالى: ﴿إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡ﴾.

- إحياء الثارات التاريخية؛ عبر إثارة الأحقاد ضد الصحابة والخلفاء الراشدين، وتكريس مناخات الكراهية، كما يظهر في شعارات جماعة الحوثي ومن شابههم.

- تمكين الطغيان باسم الدين؛ بتحويل "الولاية" إلى مبرر ديني للسلطة، بعيدا عن الشورى والعدالة والاختيار الحر.

- تفتيت الوحدة الإسلامية؛ فحين يُمنح "الحق الإلهي" لطرف دون الأمة، تتحول القيادة إلى ميراث سلالي، وتنهار فكرة الأمة الواحدة الجامعة.

يَستخدم الحوثيون اليوم في اليمن هذه الخرافة كأداة سياسية لتضليل الناس. فهم يستثمرون "عيد الغدير" في تعبئة أتباعهم وتحشيدهم، وتسويق دعاوى الولاية السياسية المقدسة، مستندين إلى تأويلات منحرفة وخرافات ملفقة. يتم تضليل البسطاء بربط الدين بالنسب، والحقيقة بالدم، والشرعية بالانتماء العرقي، وليس بالحق والعدل والإنصاف.

والأخطر من ذلك، أن هذه الدعوى تُستخدم لتكفير المخالفين، واستحلال دمائهم وأموالهم، تحت ذرائع مذهبية باطلة.

أيها المسلمون! وايها اليمنيون! إن دين الإسلام هو دين عدل ورحمة، لا يقبل الخرافات، ولا يسع المغالاة في النسب، ولا يُمكِّن لفكرة حصرية الحق في قوم دون آخرين. الشرعية في الإسلام تقوم على الشورى، والتقوى، والعدل، والكفاءة، لا على الدم ولا العرق.

قال الإمام الشافعي رحمه الله:

"لو كانت الخلافة نصّا لعلي، لكان أولى الناس بذكرها عليٌّ نفسه، ولكنها شورى، واختار المسلمون أبا بكر فأجمعوا عليه".

ولذلك فإن "عيد الغدير" ليس إلا وهما طائفيا، وخرافة دخيلة، وأداةً للتفريق والتحشيد السياسي، لا تمت إلى الإسلام الصحيح بصلة.

فلنحذر جميعا من كل بدعة تُتّخذ مطيةً لاستغلال الدين، ولنتحصن بالعلم والمعرفة، ولنكن أمة واحدة يجمعها كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، لا تُفرّقها خرافة ولا يضلها دجال. قال تعالى: ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ﴾، وقال: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾. وصدق من قال أن آدم عليه السلام إن كان سيدا؛ فكلنا سادة، وإن كان زنبيلا؛ فكلنا زنابيل! فهل ترضون أيها السادة! بقسمتهم الضيزى؛ أن يكونوا سادة وأنتم زنابيل مسخرة ومستباحة لهم؟!

حاشاكم! ودمتم سالمين!