زعيم المِرياع

في العالم العربي، كثيرا ما نرى زعماء على المسرح السياسي يتصدّرون المشهد، يخطبون، يبتسمون، يلوّحون بأيديهم من على المنصات؛ لكنهم في حقيقة الأمر لا يملكون من الزعامة إلا زيفها، ولا من القيادة إلا مظهرها. إنهم نسخة معاصرة من "المرياع" في حكاية الرعاة، ذاك الخروف الذي خُصِيَ ثم رُبِّي مع الحُمر، فظنّ أنه حمارٌ مثلهم، وصار يقود القطيع حيث أرادت "أنثى الحمار" لا حيث أرادت كرامة الخراف.

الزعيم الحقيقي لا يُصنَع في مختبرات الإعلام ولا يُنفخ فيه بروح من الخارج. الزعيم الحقّ حرّ، بصير، شجاع، لا يتبع إلا ضميره وكرامة أمته. قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾.

أما الزعامة الزائفة فخدعةٌ تتقنها قوى الهيمنة. تصنع منها رموزا خاوية، تُلمِّعها، تلبسها الأجراس والبدلات الرسمية، فتتبَعها الشعوب كما يتبع القطيع المرياع. قال ﷺ: «إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين» [رواه أحمد، 22860، صحيح].

في علم النفس الاجتماعي، يعرف "سلوك القطيع" بأنه ميل الأفراد للتصرف كما يفعل الآخرون، حتى إن خالف ذلك عقولهم. حين يتكرر المشهد ويُعاد ويُعاد، ويُقدَّم الزعيم الزائف عبر شاشات التطبيل، تظن الجماهير أنه قائد حقيقي. يتشكل وعي الجماعة لا من البصيرة؛ بل من التكرار، لا من النقد؛ بل من التعود.

وهنا مسؤولية الفرد: ألّا يكون مجرد جزء من الجمهور؛ بل أن يكون ضميرا حيّا.

الأنظمة المستبدة لا تخاف شيئا كما تخاف القادة الأحرار؛ لذلك تبدأ من الطفولة بتدجين العقل، وتربية الناس على الطاعة العمياء، وتعليمهم الخوف لا الشجاعة، التبعية لا المبادرة. ولذلك قال ابن القيم: "إن القلوب إذا أُفرغت من نور التوحيد امتلأت بظلمات التبعية".

يُخصى الزعيم وهو صغير، لا بالسكين؛ بل بالمناهج، لا بالحديد؛ بل بالإعلام، فيخرج جيل كامل من "المراييع"، يقودون إلى حيث يريد الطاغية، لا حيث يريد الشعب.

ننظر إلى المشهد العربي اليوم؛ فنرى زعماء يُقادون من الخارج، لا يملكون قرارهم، ولا يتجرؤون على قول "لا" لمراكز النفوذ العالمية. التبعية السياسية هي السِّمَة، والتواطؤ مع الاستعمار الجديد أصبح فخرا لا خيانة.

ولذلك قال بن غوريون أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني: "إن سر تفوقنا في المنطقة ليس في السلاح؛ بل في قادة العرب". وقال شيمون بيريز: "لا تحتاج إسرائيل إلى شنّ حروبٍ كبيرة إذا بقي حكام العرب كما هم".

الزعامة الزائفة لم تُضِع الحاضر فقط؛ بل سرقت منّا المستقبل. كلما أُطيح بزعيم مزيف، يأتي آخر أشد تزييفا، لأن "المرياع" لم يمت؛ بل وُرِّث. الأمة تمشي نحو الهاوية ما لم تدرك أن الطريق لا يُغيِّره خروفٌ بأجراس؛ بل شعبٌ بيقظة.

نحتاج إلى قائدٍ لا يُخصى من صغره، يُربى على الاستقلال؛ لا التبعية، على قول الحق؛ لا المداهنة. نحتاج إلى تعليمٍ يصنع رجالا؛ لا "مراييع". وإلى وعيٍ شعبي يُميّز بين من يقوده إلى النهضة، ومن يقوده إلى الذلّ.

السؤال الحاسم اليوم ليس: من الزعيم؟ بل: من يقود من؟ هل القائد يسير بشعبه إلى الحرية؟ أم أن القطيع يُساق إلى المذبح؟ هل الزعيم حرٌّ أم هو مجرّد مرياع؟

لقد آن للناس أن يفتحوا أعينهم؛ فالأجراس لا تصنع زعيما، والبدلات لا تصنع شرفا، والتصفيق لا يصنع مستقبلا.

وبالله التوفيق!

ودمتم سالمين!