اليمن ساحة خذلان وجبهة صمود
في زمن تتكاثر فيه التحالفات، وتتبدل فيه المواقف كما تتبدل الفصول، تقف اليمن وحيدة. لا لأنها ترفض العون، بل لأن كل من ادعى النجدة جاء مثقلًا بأجندته، يحمل في يده وعدًا، وفي اليد الأخرى خنجرا.
منذ اندلاع الحرب، لم تكن اليمن ساحة معركة فقط، بل كانت مسرحا للخذلان. خذلان الشرعية التي غرقت في فنادق الشتات، وباعت صمتها مقابل بقائها.
خذلان طرف تحالف مع خصمه التاريخي، وسلم له البلاد في لحظة نزق. خذلان أحزاب تقاسمت الغنائم، وتخلت عن الشعب، ونسيت جمهورها عند أول مأرب سياسي.
قاومت كل هؤلاء، مثلما قاومت الجوع، والانهيار، والخذلان.
واليوم، بعد سنوات من الحرب والفوضى، ما زالت تقاوم ما هو أخطر: التشظي الداخلي، الفشل الإداري، ومشروع الخراب باسم التحرير.
ما الذي تبقى لليمنيين؟
في الشمال، ميليشيا طائفية اختطفت الدولة وأعادتهم قرونًا إلى الوراء.
وفي الجنوب، صراعات الفصائل التي تتنازع الراية نفسها. وفي مناطق الشرعية، فوضى إدارية، ونهب منظم، وانهيار خدمي، يعكس فشلًا أخلاقيًا لا إداريًا فقط.
كيف يمكن لليمن أن تنهض والفاعلون فيها لا يرون إلا مصالحهم؟
كيف يمكن إقناع أبناء إب وذمار وصنعاء بمشروع (تحرير) إذا كانت المناطق المحررة غارقة في الفساد وانعدام الأمن؟
من يعجز عن إدارة مدينة آمنة، لن يقنع شعبا باستعادة وطن.
الواقع مؤلم: لا يوجد نموذج ناجح حتى الآن، لا في الشمال ولا الجنوب، ولا في قلب الشرعية. ومع ذلك، يستمر الكذب، وتستمر المعارك الإعلامية، ويستمر تحميل الشعب أوزار صراعات لم يخترها.
اليمن اليوم لا تحتاج وعودًا جديدة، بل محاسبة من خانوها .
لا تحتاج خطابات تحرر، بل مؤسسات دولة تحفظ كرامة الناس.
لا تحتاج تحالفات دولية، بل تحالفًا داخليًا بين المقهورين، بين الحالمين، بين من يريدون الحياة.
لقد آن أوان التقييم.
آن أن نعترف أن هناك مشروعًا ممنهجًا لإبقاء اليمن في الحضيض،
وأن أدوات هذا المشروع لم تعد تخفى: ساسة فاشلون، وتجار حروب، ومنظومات فساد تعيش على الدماء.
فهل آن لنا أن نقول كفى؟
كفى عبثًا،
كفى تلاعبًا بمصير وطن عمره آلاف السنين.
اليمن ليست مجرد أرض، بل روح تقاتل لتبقى. وكل من يظن أنه قادر على طعنها ونسيانها سيعلم يومًا أن الأوطان لا تموت، بل تتطهر.