شعب مخيّر بين الجوع والخيانة!

بقلم: حسين السليماني الحنشي

غالبًا ما تُفرض على الشعوب خيارات من قبل الحكومات، بين خيار يعطي نتائج أفضل للشعب، مما يتيح للشعب اختيارًا يمكن التعايش معه، والانتقال من الواقع الراهن إلى واقعٍ أنسب. لكننا اليوم نعيش في ظل مفاهيم تحجب عنا الخيارات التي نجد فيها الراحة.
نجد أنفسنا مجبرين على الاختيار بين الجوع أو الخيانة، فالجوع يدفعنا إلى الهلاك، وإذا ما فكرنا في الخيار الآخر، لا نجد إلا الخيانة التي تقودنا إلى حبل المشنقة. هذه هي المعادلة القاسية التي فرضتها علينا هذه الخيارات المميتة.
وقد انعكس ذلك على التدهور الأمني والسياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي، مع تنوع الخيارات التي تحول دون تحقيق الخيارات الأساسية لبناء المجتمع والدولة. تحولت هذه الخيارات إلى شعارات ترفعها أطراف متصارعة، تطالب بإسقاط الآخر، بل ودفع الثمن الباهظ في سبيل تحقيقها.
وعندما يجد الشعب نفسه بين رحى هذه القوى المتصارعة، فإنه يعاني الجوع والمرض، وتُحرم عليه الخدمات الأساسية. نجد حكام الأمر الواقع يتهمون الطرف الآخر المعارض لهم بالخيانة والتعامل مع "العدو"، ويستحقون العقاب.
وعلى غرار ذلك، يتهم الآخر المعارضين له بالتعامل مع من يعارضهم بمثابة الانتماء إليهم، وتكون التهمة الموجهة بالخيانة، وتستحق العقاب. وفرضوا على الشعب العيش بالقوة في أعظم صور الذل والمهانة والجوع.
حيث إن كل تلك الأطراف لم تستوعب الجائع الباحث عن لقمة عيش له، أو العاطل الذي يبحث عن الوظيفة، بل قد تم توقيف رواتب الموظفين الشهرية، وعاش الشعب المجاعة. وكانت تلازمه تلك الخيارات في شدة وترحاله.
ومن الناحية السياسية، كان الإقصاء السياسي الذي تمارسه تلك القوى المهيمنة على القرار. وصارت الصكوك الممنوحة للبعض تعطيهم الأحقية في العيش الكريم من مخصصات مالية كبيرة نراها تُنفق في أسواق القات والمطاعم ذات الوجبات الدسمة التي لا يستطيع الموظفون والعمال والعسكر المنطوبون تحت وزارة الدفاع دخولها.
وبرزت لنا قيادات من حكام الأمر الواقع، لا يعرفون العمل الإداري والمالي والعسكري. وعلى تلك الشلل الحاكمة أن تعي أن الجوع كافر، وأن الحاجة تقود صاحبها إلى عمل ما لا يُحمد عقباه.
وإن السياسيين في كل العصور لا ينظرون للعقائد الدينية ولا الروابط الاجتماعية إلا بمنظار المصالح (السياسة فن الممكن). وإن هؤلاء السياسيين يعيشون الفراغ، فإذا لم يتم استيعابهم أصبحوا يشكلون طرفًا آخر في المعادلة السياسية، وأصبحوا يقودون صراعًا آخر.
حيث إن الأرضية أصبحت خصبة في عسكرة المجتمع، وقيام صراعات متعددة من كل نوع. إن مجتمعنا اليوم يمر بأزمة حقيقية من قبل الحاكم الذي لا يملك التصور والرؤية الواضحة لبناء الدولة.
حيث يتكاثر الشباب العاطل عن العمل، ويكثر الفقراء والمساكين والمحتاجون. حتى أصبحت شريحة كبيرة، بل الأغلب من الموظفين والعمال والعسكر، في حالة فقر حقيقي، بتدني رواتبهم الشهرية، بل وانقطاعها لأشهر طويلة.
وهذا ما يجعل الجميع لا لوم عليهم إذا لم يكن هناك رؤية تعمل على إنهاء العربدة، ويتم استيعاب القوى السياسية والشباب على قدم المساواة. وهنا تنتهي البطالة والمناطقية والمذهبية والجهوية. وتخمد نار الصراعات، وتتحسن وتتطور البلاد إلى الأفضل.
إن العيش بين خيارات كهذه مجحفة بحق المجتمع، تعمل على تكاثر الأزمات التي تنخر مركبنا، فإن سقط سقط الجميع!