الولد اللي كره أبوه

2011م كانت سنة ثقيلة... ما تنتسي. في جعار ، الجو كان مشحون، كل واحد ساكت، لكن كل بيت كان يخبّي وجع يوجع قلبك.

فيه ولد، يمكن اسمه علي، يمكن حسن... واحد من أولاد الجيران. أبوه عسكري، رجل عايش بشرفه، خدم عمره في الجيش، ما ضر حد، ولا ظلم أحد. رجل يخاف الله ويقدّس الواجب. لكن الولد... ضيّعته جماعة، لبّسوه خطاب كراهية مغلف بعبارات دينية، وقالوا له: "أبوك يخدم الكفر، لازم تتبرّى منه!"

وبدأ الولد يتغيّر...  

ما عاد يقعد مع أبوه، ولا يسلّم، ولا حتى يرفع عينه له.  

صار يقول له: "تابع الطاغوت!"  

وصارت الفرقة تكبر... البيت تحوّل لساحة صامتة، مليانة جدران من الجفاء.

الأب المسكين كان يرد عليه بقلبه، مش بس بكلامه:  

"أنا أبوك، لحمي لحمك، ودمك دمي... ما خنت لا ربي، ولا وطني!"  

لكن الولد، مسكين هو الآخر، قلبه مغسول، وعقله محتل.

هذي مش قصة خيالية...  

هذا واقع عرفناه، وعشنا تفاصيله.  

خطاب الكراهية يوم دخل بيوتنا ما دخل على استحياء... دخل مثل النار، فرق بين الأب وابنه، بين الأخ وأخوه، بين الناس وبعضها.

وأنا اليوم أذكّركم بهذي القصة، في اليوم العالمي لمكافحة خطاب الكراهية.  

لأن الكراهية مش بس كلمة جارحة...  

هي سمّ، يلوّث الفكر، ويمزق البيوت، ويخلّي الوطن يتآكل من الداخل.

ديننا الوسَطي ما علّمنا كذا...  

علّمنا إن الكلمة الطيبة صدقة، وإن التفاهم رحمة، وإن اللي يحرّض على الدم ما يعرف لا دين، ولا رجولة، ولا ضمير.

خلونا نراجع أنفسنا، نراجع لهجتنا، منشوراتنا، لسانا اللي ممكن يجرح بدون ما نحس.  

خلونا نختار نكون صُنّاع سلام، مش أبواق كراهية.

ما زال في وقت...  

نبذل فيه كلمة طيبة بدل كلمة محرّضة،  

ونحصّن شبابنا من التطرف، لأنهم سهل الاصطياد إذا ما لقوا صوت عقل يردّهم للصواب.