في بلادي الداخل يمزق والخارج يوزع الأدوار والشعب هو المتفرج الموجوع؟
في بلادي لا كهرباء تُضيء ليل البسطاء ولا دواء يُسكّن أوجاع المرضى،ولا خبزاً يُطمئن الجائع بأنه سيأكل غدًا،لكن لا تقف الحياة بانتظار الكهرباء،ولا تُؤجَّل الأحلام لحين توفر الدواء،بل تستمر كما لو أن الأمل ركنٌ أساسي لا يمكن خلعه من وجدان الناس في صباحات المدن المتعبة،يخرج الباعة بوجوه أنهكها التعب،يحملون على ظهورهم شقاءهم وأملهم،ويعرضون الحياة في أرصفة ضيقة،كأنهم يقولون للكون:“ما زلنا هنا”.
المواطن في بلادي لا يسأل كثيرًا،فقط يريد حقه في الهواء النظيف،والخبز غير المغمّس بالإهانة،والكرامة التي لا تُقايَض على طاولات السياسة.لا يريد أكثر من بيت آمن،ومدرسة مستقرة،وسوق لا يسرق فيه الغلاء من فمه لقمة الحياة. يريد فقط أن يحيا كإنسان،لا كضحية مكرّرة في بلاد لا تُبنى الحياة على وفرة الموارد بل على صلابة القلوب.وحين تتوقف الخدمات،تتكئ العائلات على بعضها،وحين تغيب الدولة تحضر الكرامة.هذا البلد ليس مجرد مساحات جغرافية على الخارطة،بل ذاكرة شعب،ووجع متوارث،وأمل لا يعرف الموت.إنها التفاصيل الصغيرة التي تحرس بقايا الكرامة،وتبني جدار الأمل في وجه اليأس.حتى الدموع تخرج على استحياء،وكأنها تعتذر لأنها صارت مكررة.
في وطني تُشترى الضروريات بالحد الأدنى من الحياة وتُباع الكرامات على أرصفة الحاجة والمدارس شبه مغلقة،لكن الأطفال يكتبون على الألواح المكسورة ويكررون أسماء مدنهم كأنها صلاة تُبقيهم على قيد الوطن في المستشفيات يُعالَج المرضى بأدوات الصبر،وتُجرى العمليات على ضوء الهواتف،ومع ذلك،لا يغادر الأمل غرف العناية المركزة.ويظل
هناك أمل يُخبّأ في الزوايا،يُربّى في صدور الأمهات،يُزرع في دفاتر الطلاب وفي ورشات النجارة،في يد مزارع يشقّ التربة ليزرع القمح فوق أرض ملغومة في معلمة تصرّ على فتح صفها رغم انقطاع راتبها.
وأخيراً ورغم كل ما تمر فيه بلادنا من حرب وانقسام وخوف وفقر وجوع، لكنها لا تزال تنبض بالحياة وكأن الأرض رفضت أن تلبس ثوب الحداد تقاوم الموت بمواسم الزراعة ببسمات الصغار بأذان الفجر الذي لا يزال يُرفع كل صباح في كل شجرة لا تزال واقفة هي إعلان بقاء،وكل صياد يخرج بقاربه المهترئ متحديًا الخطر هو تمثال صمود. الوطن هنا لا يُروى بالنظريات،بل بالعرق والدم والدموع.لا يُبنى بالشعارات،بل بأكفّ لم تتوقف عن العمل،وبقلوب لم تتوقف عن الحلم.ووسط كل هذا،يبقى السؤال:إلى متى؟ إلى متى تترك بلادنا بأكملها بين أنياب الجوع ومخالب الحرب؟ متى تعود بلادنا كما كانت،أرضًا تفيض بالخير وشعبًا يبتسم دون أن يخشى انقطاع الماء أو انقطاع الأمل؟لكن، حتى في غمرة هذا السؤال،فإن المواطن البسيط لا ينتظر أحدًا ليكتب نهايته.هو يكتب كل يوم فصلاً جديدًا من نجاته،من صبره،من وجوده.وكأنه يقول:قد أُخذ مني كل شيء،لكن لم يُؤخذ مني الإيمان بأن الوطن سيقوم.