أزمة أخلاق

في زاوية من زوايا هذا العالم، حيث تتداخل الأصوات كضجيج البحر حين يغضب، وحيث لا تكاد التفرقة بين المزاح والمهانة، وبين الصراحة والوقاحة، تُميز؛ تنهض أمامنا أزمة لا تحتاج إلى تقارير أو مؤتمرات، بل تنطق بها الألسن كل يوم: أزمة أخلاق.

لسنا بحاجة إلى أن نقرأ كتابًا في الفلسفة أو أن نغوص في مراجع علم النفس الاجتماعي، كي نكتشف أن الشتم والسباب لم يعودا ظاهرة عرضية، بل صارا جزءًا من “الخطاب اليومي”، وكأن الشتيمة صارت لغتنا الرسمية في الشوارع، وعلى الأرصفة، وحتى خلف شاشات الهواتف.
 صار الكَلِم الجارح أسرع طريق للرد، واللعنات جواز مرور إلى فرض الرأي، وكأننا فقدنا أدوات الحوار، فاستبدلناها بأدوات هدم لا تبني.

ما الذي يجعل إنسانًا بالغًا، متعلمًا أحيانًا، يقذف غيره بكلمات تلوّث الهواء؟ ما الذي يجعل الأمثلة الجميلة التي ربّتنا تُنسى أمام غلطة صغيرة أو اختلاف بسيط؟
أي مجتمع هذا الذي يربّي أبناءه على "احترام الكبير" ويهلل عندما يَسُبّ شابٌ جارَه لأنه لم يُعجبه تصرّفه؟

إننا نعيش أزمة أخلاق حقيقية، أزمة لا تُقاس بعدد الشتائم بل بعدد القلوب التي تُخدش، والنفوس التي تُطفأ فيها شمعة الحياء. 
فليس كل نزيف يُرى بالعين، هناك نزيف داخلي يبدأ من كلمة ويكبر بصمت حتى يُسكت الروح.

من المعيب أن نُلقي باللوم فقط على "الجيل الجديد" وكأننا لم نكن من غرس هذا التهور، وكأن الألسنة لا تتعلم إلا مما تسمع.
 وما يُؤلم أكثر، أن السب بات يُبرَّر: “كان غاضبًا”، “قالها بدون قصد”، “هي مجرد كلمة”، ولا أحد يتساءل عن الجُرح الذي بقي بعد انطفاء الغضب.

المجتمع السليم ليس ذاك الذي يُجيد قوانين السير فحسب، بل هو الذي يعرف متى يصمت احترامًا، ومتى يتكلم بلين، ومتى يرد بأدب حتى وهو غاضب.
فالكلمة، وإن خفَّت على اللسان، قد تسقط على قلب الآخر كالصخر.

فلنربّي أبناءنا – ونُعيد تربية أنفسنا – على طهارة اللفظ، وعلى أن الكلمة الطيبة لا تُكلف شيئًا، لكنها تعني كل شيء.
ولنعِ أن من لا يحسن احترام الناس بلسانه، مهما علا شأنه، فهو في ميزان القيم... لا يزال صغيرًا.

ختامًا
الأخلاق ليست ترفًا، بل هي القاعدة التي تنهض عليها الأمم، واللسان هو مرآة الخُلق.
 فاختر كلماتك، لا لتُبهر بها أحدًا، بل لأنك مسؤول عمّا تزرع في نفوس الناس... وكما تُلقي الكلمة، تعود إليك يوماً.