جابر وسرّ الدولة العميقة

جلست الجدة سالمة في رُكنها المعتاد من المجلس، تُمسك فنجان القهوة، وقالت لأحفادها وقد تجمّعوا حولها:

"يا أولادي، سنين واحنا نحسب إن صالح هو رب البيت. نشوف صورته في كل جدار ، كأنه صاحب القرار! بس اسمعوا من جدّتكم، الحقيقة ما هي كذا..."

همست لاحفادها كأنها تكشف سراً دُفن تحت بلاط المطبخ:

"اللي يحكم فعليًا... جابر! دايم في الظل، لا يتكلم كثير، بس ماسك الدفاتر ومفاتيح الثلاجة. يعرف من خبّز، ومن عزم ضيف بلا مشورته. صالح يتكلم قدام الناس، وجابر يهز برأسه من بعيد... والناس تصفق، وهي تحسب أن التصفيق له، وهو لجابر."

ضحك الأحفاد، فقالت الجدة بابتسامة خبيثة:  

"يضحك صالح في المناسبات، يلبس بدلة مكوية، بس قرار العزومة؟ من جابر. والولد هادي اللي اختفى فجأة في العيد؟ لا تقولوا ضاع... جابر رتّب له مشوار سفر."

تأهبت الجدة قليلاً، ورفعت يدها بنبرة الحكمة:  

"الدولة العميقة يا حبايبي... مثل قطة البيت، تمشي ناعمة، لكنها تعرف متى تبخش."

أكملت فنجانها، وبنبرة فيها مكر:

"تتذكروا يوم انقطعت الكهربا؟ الكل قال العداد خربان. بس أنا؟ أنا عرفت إن جابر هو اللي قطعها عشان صالح ما يشغّل المكيف في المجلس . يقول: ترشيد."

واشتعل الضحك، فقالت الجدة:  

"وصالح، دايم يحسب نفسه صاحب القرار. وهو ما يدري إن جابر ماسك السبحة، يحسب بطريقة خاصة: واحد لك، اثنين لي، والثالث بمزاجي."

ثم همست كأنها تُدخلهم في مؤامرة:

"حتى عيدنا اللي بلا لحمه؟ مو فقر ولا نسيان من رشاد ابنه ... هذي خطة غذائية من جابر. يقولك: الفاصوليا بروتين، والميزانية تحتاج توازن."

رفع حفيدها الصغير حاجبه وقال:"جدتي... ليش محد يوقف جابر؟"

ضحكت الجدة، وقالت:  

"لأن جابر ما يُواجه، جابر يُراوغ. مثل بخور المغرب، تشمّه بس ما تمسكه.

ثم وضعت يدها على صدرها وأغلقت الحكاية بحكمة:

"الدولة العميقة ما هي شر مطلق... بس إذا ما عرفت كيف تتعايش معها؟ تلقى نفسك مطبوخ في قدر قراراتها... ومن دون ملح."