الثابت في زمن المتغيرات: تحية وفاء وتكريم لعاشق اللغة والوطن
بقلم: أ.د مهدي دبان
في زمن بات الثبات فيه عملة نادرة، تلمع بعض الشخصيات كنور في عتمة المتغيرات، ترفض أن تُفرط في القيم أو أن تتزحزح عن المبادئ، ويكون حضورها عميقا لا بما تقول فقط، بل بما تكون عليه فعلًا. ومن بين هذه الشخصيات التي تجسد الثبات اسما ومعنى وروحا، يبرز الأستاذ الدكتور ثابت سالم العزب، عضو هيئة التدريس بكلية الهندسة – جامعة عدن، والذي لم يكن فقط أستاذا في الهندسة، بل كان أستاذا في الإنسانية، وركنا من أركان المعرفة، وراعيا للبحث العلمي برتبة ربان سفينة، لا تضل، بها وجهة ولا تغرق بها القيم.
لم يكن الثابت ثباتا علميا فحسب، بل كان ثباتا أخلاقا وروحيا وقيميا. عنده من القيم والمبادئ الراسخة ما يتعدى تخصصه وميوله العلمية، التي أعطاها كثيرا من عمره وجهده وفكره، حتى غدا قامة علمية يُشار إليها بالبنان، وقدوة يُحتذى بها بين طلابه وزملائه على حد سواء. لم يكن يومًا مجرد محاضر في قاعة، بل أبا يهذب السلوك، ورائدا يصحح الاعوجاج، ومعلما يزرع في القلوب الأمل قبل المعرفة في العقول.
لكن رحلة العطاء لم تقف عند حدود الجامعة والاختصاص، بل تجاوزتها إلى رحاب الهوية والانتماء؛ فقد كان الدكتور ثابت دائمًا الفارس الشاهر سيفه، المدافع عن هوية الأمة، وعاشقًا لوطنه وهويته العربية ومبادئه السامية. ولأنه يمتلك حسا مرهفًا ومخزونا أدبيا راقيا، كان لا بد لهذا العشق أن يتحول إلى قصيدة، إلى معلقة خالدة بعنوان (انا الطائر)، تستحق أن تُعلق على جدران كل بيت عربي، بل قبل ذلك، في قلوب ساكنيها.
وقد نالت هذه المعلقة الشعرية مكانتها اللائقة، حيث حصدت المركز الثالث ووسام "شاعر عرين الضاد العربي" من الرابطة العالمية للدفاع عن اللغة العربية، فكان هذا الإنجاز الأدبي استكمالًا طبيعيًا لمسيرة علمية ووطنية وإنسانية حافلة بالعطاء والتميز.
تقديرًا لهذه القامة الوطنية والعلمية والأدبية، أقامت جامعة عدن، برئاسة الأستاذ الدكتور الخضر ناصر لصور، حفلًا تكريميا في رحاب كلية الطب، احتفاءً بمنجز الدكتور ثابت، الذي لم يكتف يوما بالنجاح الفردي، بل جعل من علمه رسالة، ومن شعره سلاحا، ومن مواقفه منارة للثبات والعزة.