روسيا العظمى "نمر من ورق" !!

روسيا الاتحادية لم تعد عظيمة كما تُسمى أحيانا، بل أضعف مما يتصور المرء، خصوصا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، هذا التفكك الذي قاد جمهوريات الاتحاد إلى ما جعلها تابعة للغرب، وعلى رأس ذلك روسيا، التي لم تدرك حجم الكارثة إلا بعد ثلاثة عقود، عندما قررت أوكرانيا المجاورة الاحتماء بالناتو، بل وجلب هذا الحلف إلى الحدود الروسية، الأمر الذي دفع موسكو لغزو أوكرانيا وفي ظنها أن ذلك بمقدورها لتحييد كييف عن الاستقطابات الدولية المتسارعة، ليتضح لموسكو أن ذلك الفعل لم يكن مهمة سهلة، حين قد دخلت الحرب الروسية الأوكرانية عامها الرابع، دون أي مؤشرات عن اقتراب موسكو من تحقيق أي من أهدافها المطروحة.

كان يتعين على روسيا أن تضع على رأس أولوياتها خوض حروب بالوكالة مع الغرب، بدلا من الاجتياح المباشر للأراضي الأوكرانية، من خلال فتح ساحات مواجهة جديدة مع الغرب، في أكثر من مكان بآسيا وأفريقيا، والعمل على تعزيز المنافسة الاقتصادية مع القوى الغربية، وسحب عليها البساط في افريقيا تحديدا، من خلال العمل على تقليص مصالحها في عدد من الدول الأفريقية التي تعد غنية بمواردها المعدنية بالتعاون مع الصين في هذه الإطار، والإسهام في خلق استقرار سياسي فيها، يمكنها من الاستفادة من هذه المقدرات.

الاجتياح الروسي للأراضي الأوكرانية لم يكن خطأ عابرا يمكن تفادي نتائجه على المدى المتوسط، بل تطور استراتيجي يحمل محاذير كثيرة للروس. على مقربة من تلك المزلقة، يأتي التوجه الروسي في التنازل عن أقرب الحلفاء، وتسليم زمام ذلك النفوذ للغرب وإسرائيل، كما حدث ذلك في الشرق الأوسط مع سوريا التي تم تسليم أراضيها لمليشيات إسلامية متطرفة، بل وتقديم إحداثيات عن تسليحها ومواقعها العسكرية لإسرائيل للإجهاز عليها، ثم جاء ذات الدور على إيران التي كان لها شرف السبق في إسناد روسيا عسكريا في اجتياحها للأراضي الأوكرانية، وتقديم خبراتها للروس في مجال سلاح المسيرات، وقد ربما تجاوز ذلك التعاون إلى إرسال مقاتلين إلى الداخل الروسي حسب ما أفصحت عنه بعض التقارير الاستخباراتية، إلا ان ذلك الفعل لم يشفع لطهران التي بادرت موسكو إلى التخلي عنها لاحقا، والامتناع عن بيعها أسلحة متطورة تنتمي للجيل الرابع، تحتاجها طهران في مجابهة التهديدات الصهيونية، والأنكى من ذلك توافق موسكو بشكل صريح مع الأميركان على تدمير قدرات طهران النووية، ولا نستبعد تقديم روسيا لتل أبيب معلومات استخباراتية في ذات الصدد، ساعدت الأخيرة على تدمير بعض الأهداف والقدرات العسكرية في الداخل الإيراني.

عموما لا تبدو روسيا حليفا يمكن الوثوق به، أو الاعتماد عليه على المدى الطويل، في ظل عالم يموج مضطربا بالصراعات والاستقطابات الدولية، وقد يأتي الدور على كوريا الشمالية خلال المرحلة المقبلة، إذا لم تسارع في تقليص علاقاتها مع موسكو، التي قد تستغل هذه العلاقة لتقديم معلومات حساسة عنها لأعدائها، تساعد في تدمير قدراتها.