لنا رأي في يوليو
شكّل اجتياح الجنوب في يوليو لحظة مفصلية في تاريخ الوحدة اليمنية، حيث بدأ ذلك الاجتياح في نظر كثيرين تحصيل حاصل لمعادلات سياسية غير متوازنة. فقد ساد في الشمال شعور متنامٍ بأن شريكه الجنوبي لم يدخل مشروع الوحدة بدافع وطني خالص، وإنما للهروب من استحقاقات سقوط نظام جنوبي أثبت فشله في إدارة الدولة وتحقيق التنمية، مكتفيًا برفع شعارات لم تُفضِ إلا إلى المزيد من المعاناة الاقتصادية والاجتماعية.
ويطرح كثيرون تساؤلاً مشروعًا حول أسباب احتفاظ الرئيس علي عبدالله صالح بعلي سالم البيض نائبًا له، رغم علمه الواضح بسعي الأخير نحو دعم خارجي يعزز طموحاته الخاصة، حتى لو كان ذلك على حساب الوطن. فالجنوب قبيل الوحدة كان يعيش تحت حكم سلطوي قائم على القمع، حيث غابت الحريات، وانتشرت السجون، وتفاقم الجوع، وتراجعت مستويات الأمان، في ظل هيمنة أجهزة أمنية مارست العنف والتضييق.
ويغيب عن جيل اليوم أن نسبة كبيرة من الجنوبيين كانوا يرون في الشمال ملاذًا من الفقر والخوف والملاحقات الأمنية، مما دفع الآلاف إلى النزوح شمالًا، حتى أفرغت بعض المناطق من سكانها. إلا أن هذا الواقع يُعاد تأطيره اليوم عبر خطاب إعلامي يروّج لصورة مثالية عن الجنوب السابق، باعتباره جنة مفقودة، في محاولة لتجميل الماضي وتغافل حقيقته القمعية.
ومنذ العام 2015، لم ينجح الجنوب في استعادة توازنه، بل شهد انفلاتًا أمنيًا وفوضى سياسية، وسط قيادة تُمعن في الهدم وتغيب عنها الرؤية التنموية أو مشروع الدولة. والمفارقة أن هذه القيادات، عند مساءلتها عن غياب الخدمات الأساسية، تبرر ذلك بأنها “ليست مسؤولة عن تقديم الخدمات”، في حين أنها تمارس كل مظاهر السلطة من فتح السجون ونهب الموارد المالية تحت مسميات مختلفة إلى فرض الشراكات مع قوى كانت جزءًا من الاجتياح نفسه.
إن التناقض الواضح في هذا المشهد – بين الخطاب والممارسة، وبين الشعارات والواقع – يكشف عن أزمة بنيوية تعيشها النخبة السياسية في الجنوب، شبيهة إلى حد بعيد بما تمارسه جماعة الحوثي في الشمال من استفراد بالسلطة وتهميش لمطالب الناس، والفتك بالمعارضين السياسيين لولا لطف الله وخوفاً من التحالف لتحولت عدن إلى سجن كبير ومقصلة للإعدامات مثلما كانر سابقاً .