القائلون بـ{الوحيين} مدلسون عمداً أو جهلاً
بقلم: منصور بلعيدي
أول من قال بالوحيين هو الإمام الشافعي استنباطاً منه، وليس كذباً على الله ورسوله. وكان ذلك في مذهبه الأول الذي تراجع عنه حين ذهب إلى مصر وعاش حياة علمية رصينة واطلع على ما لم يصله من الأحاديث النبوية.
لكن المشكلة تكمن في الأتباع الذين لا يميزون ولا يفرقون بين البدائل، فتمسكوا بقول الشافعي السابق واعتبروه قولاً مسلماً لا يقبل النقاش، وهذا هو موضع حديثنا هنا. فالقائلون _بالوحيين_ استندوا إلى قوله تعالى: *"وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى"* (النجم: 3-4). ولأنهم من بادي الرأي فلم يدققوا في معنى الآية، ولكن أخذوها على ظاهرها، وهنا وقعوا في فخ الكذب على الله ورسوله عمداً أو جهلاً، والله يعلم بقلوبهم.
وما علموا أن قول الله تعالى: *"وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى"* لا تعني الحديث، إنما تعني القرآن الكريم (الوحي). أما السنة فليست وحياً، ولو أقرينا أنها وحي لناقضنا القرآن الكريم وأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم. فالقرآن عاتب الرسول صلى الله عليه وسلم على بعض أفعاله واعتبرها خطأً، ومنها قوله تعالى:
1. *"عَفَا اللَّـهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ"* (التوبة: 43).
2. *"مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّـهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۗ وَاللَّـهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"* (الأنفال: 67).
3. *"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّـهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ"* (التحريم: 1).
4. *"وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّـهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّـهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ"* (الأحزاب: 37).
5. *"وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ"* (يونس: 99).
وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم ذاته قال لأهل المدينة في قضية تأبير النخل: *"أنتم أعلم بشؤون دنياكم."*
ولو كان قول الرسول صلى الله عليه وسلم وحياً، لما أخطأ ولما عاتبه الله، والرسول ذاته لم يقل إن قوله وحياً من ربه.
والقول الفصل في هذا الأمر هو أن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ليست وحياً أبداً، بل هي أقواله كبشر يخطئ ويصيب، إلا ما كان من القرآن الكريم فقط. ويؤكد ذلك توجيه الله تعالى للرسول: *"قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليَّ"* (الكهف: 110)، أي أنا بشر مثلكم والفرق بيننا أن الله يوحي إليَّ هذا القرآن فقط.