وانطفأ نجمك يا نصر الدين !!!

(أبين الآن) كتب د. سعيد سالم الحرباجي
في لحظة عابرة من صباح يومنا هذا الخميس ( 10 /7 / 2025م ) انطفأ نور نجمك صديقي العزيز ، وطوى الموت روحك ، وأنهت المنية حياتك ، وتلقف اللحد المظلم جسدك النبيل ، وغيب الثرى نفسك الزكية ، وأهيل التراب على روحك الطاهر ، واستودع الأهل والأصحاب حياتك عند الرحمن الرحيم .
يا إلهي ..
كومضة برق لفَّها ليل ،وكقطرة ندى
رشفتها ، شمس وكورقة شجر أطاح بها الخريف ، وكزهرة روض نزعتها الرياح ...
ثم لم يبق من ذلك الجمال الرائع في القلب الجياش ...إلا كما يبقى من النور في العين ، ومن السرور في الحس ، ومن الحلم في الذاكرة .
يا إلهي ..
كم كانت الفاجعة ثقيلة على قلبي ، وكم كان النبأ شديداً على سمعي ، وكم كان الخبر أليمأ على نفسي ..
أحق ما حصل ، أصدق ما أسمع ؟!!
أغلقت الهاتف ، ثم فتحته ثانية لعلي لا اسمع الخبر...لكني فوجئت بوسائل التواصل تتناقله كسرعة النار في الهشيم .
فيا لفقدك أخي الحبيب!!!
ويا لها من لحظات قاسية على قلبي !!!
للموت جلال أيها الراحلون، ولنا من بعدكم انتظار في محطات قد تطول وقد تقصر، وقد ترهق وقد تصفو، وقد تُضحك وقد تبكي... حتى يقدم على أحدنا بلا هيبة أو تردد، فيختارنا واحداً إثر الآخر .
قال تعالى :(فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون )
هكذا يثير الموت هذه الرهبة في قلوبنا ، وهكذا نبكي الراحلين وقد امتدت بهم مراحل أخرى لمحطات أخرى انتظارا لحياة أخرى ...
ونحن سائرون إليها شئنا أم أبينا .
إننا في الحقيقة لا نبكيهم لأنهم رحلوا، بل نبكي أنفسنا لأنهم تركونا وحدنا..
إن كل آلامنا ودموعنا وفرقنا وقلقنا لأننا لن نراهم بعد اليوم في دنيانا، وقد كانوا بعض سلوتنا أو جزءاً من حياتنا أو بقية من رفاقنا.
.. إننا نبكي من أجلنا نحن، لا من أجلهم، لأنهم رحلوا، فلن يشعروا ببكائنا، ولن يستعيدوا شيئا مما مضى، ولن يكون بمقدورهم أن يصنعوا شيئاً لأنفسهم أو لنا.
نحن إذن من يجزع لأن الراحلين انطفأت شموعهم في حياتنا، ولأن رحيلهم إعلان كبير بأن قطار العمر ماضٍ، والأيام حبلى والقدر محتوم... وللموت جلال أيها الباقون.
لقد انطفأ نورك أيها النجم المتألق في سماء عالية ، وغاب شعاعك الذهبي الذي طالما سعدت بأن تنير به طريق الحيارى في ظلمات الجهل ،
وذهب بهاؤك الذي يستمد منه الراجون النقاء ، والصفا والسخاء ، والعطاء.
لقد عاجلك الموت وأنت كالغصن غضاً طرياً ، وكالروض جمال ندياً، وكالبدر حسن بهياً ...
وبرحيلك - أيها العزيز - تفقد أبين واحداً من أنبل أبنائها ، وتخسر شاباً من خيرة شبابها ، ويغيٌَب الثرى كادراً من أفضل كوادرها .
نعم لقد رحل صاحب الابتسامة الصادقة ، والكلمة الطيبة ، والقلب النقي ، والسجايا الحسنة ، والصفاة الحميدة .
رحل عن دنيانا العفنة تاركاً وراءه سمعته العطرة، وذكره الحسن ، وأثره الطيب ، وسيرته الجميلة.
عرفته من أنبل الشباب ، وأصدقهم ،وأزكاهم ، وأشجعهم ، واحرصهم على دين الله ، والمصالح العامة ، وحب الوطن ، وفعل الخير ، وإسداء المعروف ، وتقديم العون .
رجل خفيف الظل ، هادىء الصوت ، بشوش الوجه ، صادق الكلمة ، وفيَّ الوعد ، عفيف اللسان ، طيب الجنان .
كان آخر لقاء جمعني به برفقة الدكتور العزيز خالد الفقيرية ، والشاب الخلوق ناصر الحييد في شهر رمضان الفائت ، حيث قمنا بزيارة الفقيد عبدالله علي مشدود .
وبينما جلسنا نحتسي الشاي في مقهى السكران في كريتر ....
تحدثنا عن أحوال أبين ،وتكلم بحرقة عن ما آلت إليه أوضاعها ، واقترح تشكيل لجنة من الشخصيات الإجتماعية لمعالجة بعض الاختلالات ، وتوافقنا على ذلك ولا يزال المشروع قائماً .
ولكن الموت اليوم غيبه.
فيا لفاجعة الموت !!
فيا أيها الصديق العزيز ..
إنني أتطلع إليك من دار الشقاء، وأنت في دار البقاء والنقاء والصفاء..
وأبعث إليك بكلمات نَسَجَتْْ خيوطها السنون بأحرف من نور سرمدي، وأترحم على روحك الطاهر ، بعد أن خطفتك منا يد المنون في عز شبابك على حين غرة ، والتي ما زالت تخبط فينا وبيننا خبط عشواء بدون شفقة، وبدون هوادة...
تسلبنا أحبابنا ، وأصدقاءنا وأقرباءنا، وتتركنا حيارى في قبضة الزمن الغاشم الذي لا يرحم.
إنني ما زلتُ أتذكر صورتك في حزن ، وأتأمل ملامحك في توجع ، وأسمع صوتك الهادئ في لوعة ، وأشم رائحتك في ندم .
ومع كل هذا وذاك ...أنكفأ على نفسي ، وأداري حزني ، وأغالب آلامي ، واسترجع وأحمد الله الذي لا يُحْمَدُ على مكروه سواه .
فلله ما أخذ وله ما أعطى ، ولا نقول إلا ما يرضيه....
إنا لله وإنا إليه راجعون
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
خالص العزاء وصادق المواساة لجميع آل المقرحي ، ولكافة قبائل الجعادنة .