حين تجف القلوب؛ فيغيب دفء البيت!
في زحمة الحياة، ومع دوران عجلة العمل والضغوط اليومية؛ يحدث ما لا ينتبه له كثيرون؛ تجف القلوب داخل البيوت، وتصير العلاقات الزوجية أشبه بعقود إدارية جافة، بعدما كانت واحة من المودة والسكينة والرحمة. وليس هذا التغير مفاجئا؛ بل هو انزلاق صامت يبدأ من إهمال كلمة، أو تجاهل لمسة، أو نسيان نظرة، لينتهي بجفاء عاطفي قاتل.
والجفاف العاطفي بين الزوجين ليس مجرد خلاف عابر؛ بل هو حالة غياب طويل للمشاعر والتواصل، وتحوّل العلاقة إلى روتين ممل؛ بلا حوار ولا حنان. وقد لخّص النبي ﷺ مقياس النجاح في العلاقة الزوجية بكلمات جامعة فقال: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي».
ومن أبرز صور هذا الجفاف:
- الصمت الثقيل داخل البيت.
- غياب كلمات الحب والاحتواء.
- انشغال أحد الزوجين أو كليهما بالجوال والعمل والتفاهات.
- التجاهل في المناسبات أو أثناء الأزمات.
- التواصل البارد كأن الطرف الآخر موظف أو زميل عابر.
وتعود جذور المشكلة إلى أسباب نفسية واجتماعية، من أهمها:
- الجهل بطبيعة الاحتياج العاطفي؛ فالزوج غالبا يحتاج التقدير والاحترام، والزوجة تحتاج الحب والحنان.
- صدمات قديمة وتراكمات لم تُعالَج.
- الضغوط المالية والمعيشية التي تستنزف الأعصاب.
- غياب مهارات التعبير عن الحب، والانطواء أو النرجسية أحيانًا.
- زواج تقليدي بلا نضج ولا توافق فكري أو عاطفي.
- تأثير الإعلام الذي يروّج للنماذج الباردة أو المنحرفة من العلاقات.
والنتيجة:
- شعور أحد الزوجين أو كليهما بالوحدة والرفض.
- تبلد المشاعر، القلق، الاكتئاب، أو حتى الخيانة.
- تأثر الأطفال سلوكيًا ونفسيًا.
- وقد ينتهي الأمر إلى الطلاق العاطفي ثم الفعلي.
لكن لا يأس مع الوعي؛ فالحلول موجودة ونبوية؛ فالإسلام لم يترك شيئا من الخير إلا دلّنا عليه، وقدّم لنا نموذجا نبيويا رائعا في فنون الحب والتواصل داخل البيت:
- فابدأ بالمبادرة؛ ابتسامة، لمسة يد، هدية بسيطة، كلمة تقدير... قال ﷺ: «تهادوا تحابّوا».
- وفَعِّلْ لغة الحوار؛ تحدّث، استمع، افهم... ألم يكن ﷺ يسابق عائشة ويمازحها؟
- ادعُ بالحب، لا عليه؛ قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾.
- تحصّن بالذكر والقرآن؛ فإن الطمأنينة لا تأتي من كلام الناس؛ بل من ذكر الله: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾.
- اطلب المساعدة قبل أن تفقد كل شيء؛ لا عيب في مراجعة مستشار أو متخصص. قال عمر رضي الله عنه: «تعلّموا قبل أن تسوّدوا».
- أعد برمجة مشاعرك؛ قال ﷺ: «إنما الحلم بالتحلّم، والعلم بالتعلّم»، وكذلك الحب بالتودّد، والمودّة بالتكرار.
ختاما؛ لا تنتظر أن يصلح الطرف الآخر ما أفسده الزمن؛ بل كن أنت البداية، كن أنت الشعلة التي تذيب جليد المشاعر؛ فجفاف القلوب ليس قدرا مكتوبا؛ بل نتيجة غفلة؛ والعودة إلى الدفء تبدأ بقرار صادق ونيات طيبة. يا من جفت قلوبهم! عودوا إلى دفء البيوت؛ ففيها الحياة، وفيها الرحمة، وفيها طمأنينة القلب. ودامت دياركم عامرة بالسكينة والطمأنينة والمحبة والسلامة!