على هامش المشروع الجديد للأمة 2

افتتح مشرف الحوار الحلقة بتقرير صحفي مهلهل ، ضعيف البنية ، ركيك النسج ، مختل المعنى ، لايختلف في شيء عن حال الأمة ، بعد ذلك أذن لأحد المتحاورين الإدلاء بدلوه ، فتحدث عن المعاناة التي تمر بها بلده ، وكيف أصبحت ترزح في الشقاء ، بعد أن كانت ترفل في النعيم ، وكيف رحلت عنها السعادة ، بعد أن أقامت على كاهلها الشقاوة ، وكيف تخلى عنها الأقرباء ، بعد أن حاربها الأصدقاء ، وتسابق عليها الأعداء ، مع أن هذا المحاور يعد واحدا من أولئك الذين صنعوا تلك المعاناة لذلك البلد المكلوم  ... 

وهنا استوقفه المشرف ، وأذن للمحاور الآخر أن يقول رأيه في تلك الأقوال ، لكنه لم يشرع في الأمر إلا بعد أن تحسس رأسه جيدا ، وأصلح هيئته ، وتأكد من أنه على مايرام ، بدأ الحديث قائلا : اسمح لي أخي المحاور أن أقول لكم : إنكم أغبياء ، وفي نظر الشرع سفهاء ، وإلا كان بإمكانكم أن تفيدوا من حكمة الحاكم الجديد لعاصمة الفتوحات ودهائه ، وهنا يقاطعه المشرف بالقول : معذرة دكتور ، ماذا فعل الحاكم الجديد لعاصمة الفتوحات وما الذي وصل إليه ؟ أجاب : لقد أسقط الشعار ، وغير المسار ، وتخلى عن مزايدة الأحرار ، وقدم الولاء والطاعة للأشرار ، ومن بيدهم القوة القاهرة والقرار ، وبذلك أضحت أموره طيبة ... 

في هذه الأثناء يستوقفه المشرف ، ثم يلتفت إلى المحاور الأول : بعد أن استحسن القول وعقب بقوله : إن قول الدكتور يعد في سياق القول السديد ، ويعود على صاحبه بالأمر المفيد ، فلماذا لا تفيدون فعلا من منهج الحاكم الجديد لعاصمة الفتوحات ؟ وقبل أن يجيب المحاور الأول ، يقول المشرف : صحيح إن في ذلك عصيان للرب ، وتفريط في الأرض والعرض ، وتخل عن القيم الحميدة التي توارثناها ، فضلا عن أن ذلك العدو ليس له عهد ، ولايحترم اتفاقيات ، ولا يؤمن بمبادئ السلام العادلة ، ولايقيم وزنا للأخلاق الفاضلة ، إنه ينظر إلينا نظرة السيد المتجبر المتكبر إلى عبده ، بل يرى أننا إنما خلقنا لعبادته ، وتنفيذ أوامره ، والقبول بطاعته ، ولكن مادام في الأمر مايعود عليكم بإصلاح البلاد والعباد فلماذا لاتقدمون التنازلات وترضخون للإملاءات ؟ يقول المحاور الأول : لقد قدمنا الكثير والكثير ، وقبلنا بالفتات والقليل ، ومع ذلك كله لم يرض عنا الكفيل ، وهنا يخرج المحاور الآخر عن هدوئه ، ويقول بصوت مرتفع : أولم تقبلوا ذات يوم أن تكونوا عبيدا للعبيد مقابل أن ينتصروا لكم من خصمكم العنيد ؟ أنتم أغبياء وقاصرون في علوم السياسة ، وستبقون تراوحون في مكانكم حتى تدوس الشعوب المتمدنة على رقابكم ، وتنتزع منكم أقواتكم ، واعلم أيها المحاور الغبي أن هذا هو المشروع الجديد للأمة شاء من شاء وأبى من أبى ... في هذه الأثناء يدخل الجميع في هرج ومرج ويتوقف الحوار ...