حين يمرض الفن.. نايف عوض نموذجًا

في وطنٍ يفيض بالمواهب ويجف في الرعاية، لا عجب أن يتحول فيه الفن والفنانون من نجوم في سماء الفرح إلى طيورٍ جريحة تسقط في صمتٍ مؤلم،  
عدن المدينة التي طالما أنجبت أصواتًا تنبض بالحياة تكتفي اليوم بالنظر من بعيد وهي ترى أحد أبنائها الفنان "نايف عوض" وهو يصارع المرض في ظل غياب أبسط مقومات الرعاية الطبية والاهتمام الرسمي، فقبل أيام انتشرت صورة للفنان صاحب الصوت الشجي العذب "نايف عوض" طريح الفراش في منزله يلتحف فراشًا بسيطًا  في صورة تحكي الألم وحكايات الإهمال للفن والفنانين.

"نايف" الذي لم تغب أغانيه عن أفراحنا طربًا وغناء يشجي وينعش القلوب بات يعيش اليوم على هامش الذاكرة الرسمية أو قريب منها، يئن بصوت خافت بإحدى غرف منزله بعد أن كان يهز القلوب بلحن واحد، مؤلم جدًا مايحدث لـ "زرياب" اليمن!.
"نايف" غنى للحب وغنى للأرض، وغنى للناس لكنه اليوم لا يجد من يغنّي له أو حتى يلتفت لمعاناته.

ما يمر به "نايف عوض" ليس مأساة فرد بل وجع جماعي لفئة كاملة من المبدعين الذين خدموا الفن والثقافة وتركوا بصماتهم واضحة في الوجدان اليمني، ثم تُركوا لمصير غامض بعد أن خفتت أضواؤهم، فقبل أقل من شهر وفي مشهد آخر لصور الأهمال المتعمد ظهر لنا الفنان المخضرم والعملاق "قاسم عمر" فنان السبعينات والثمانينات ونجم القرن بعد أن بترت أصابع قدمه وفقد نظره هو الآخر ( يصارع مرضه وحيدًا داخل منزله ) !!

إنني هنا لا اكتب رثاء مبكرًا بل نداء إنسانيًا عاجلًا لكل من بقيت في قلبه ذرة من عرفان لهذا الفنان الأنيق،
مدوا أيديكم لهذا له ولا تتركوا لحنه الأخير ينكسر في عزلة الألم، نعلم جيدًا أن الإنسان العدني بشكل عام هو الآخر يعاني من الألم والفقر المدقع والمعاناة وغياب الخدمات الصحية وشح المياه وانقطاع الكهرباء وانعدام الثقة في الحكومة لكن لايعني ذلك أن نقف مكتوفي الأيدي أمام مايمر به الفنان "نايف عوض"!!

الفن حين يُهمل لا يموت بل يبكي بصمت.! أن الفنان الشعبي العدني "نايف عوض"  والذي يُعد من أبرز الأصوات التي أثرت في الساحة الفنية اليمنية خاصة في محافظة عدن والذي يعد نجم زمانه وزماننا هذا، والذي تميز عن غيره في أداء الأغاني الشعبية ذات الطابع العاطفي والاجتماعي الصعب، صاحب الصوت السهل الممتنع والقوي بوقت واحد، شبيه "لأحمد عدوية وحكيم مصر يحتاج إلى وقفه من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعى  "المحليين" إلى تنظيم حملة خاصة لرفد ودعم هذه العامة والخامة الفنية النادرة.

"نايف" صاحب أغاني "لا تسألوني على حالي"،
و "يعيبوا يا زمنهم"، و "أيها التاريخ سجلني حزين" وسجل غنائي كبير وحافل أثرى به المكتبة الفنية العدنية، هذه الأغاني تعكس تنوع المواضيع التي تناولها نايف عوض، من الحب والحنين إلى القضايا الاجتماعية، مما جعله يحظى بشعبية واسعة.

إن رؤية فنان بحجم "نايف عوض"، الذي أسعد الناس بصوته وفنه، في هذا الوضع الصحي الصعب يدمي القلب قبل العين، فـ"نايف" كما قلت أعلاه كان يومًا ما مرافقًا لأفراحنا بكلماته وألحانه وأدائه، والآن يواجه المرض بصمت وكأن ما قدّمه يُنسى في لحظة.  
هذا الموقف ليس فقط عن نايف وحسب! بل هو جرس إنذار لواقع الفنان اليمني سوى في الجنوب أو الشمال أو الشرق  أو الغرب، يُصفق له الناس في الضوء ثم يُترك الجميع في العتمة وفي وقت الحاجة لهم.

أخيرًا.. الدعاء وحده لا يكفي لفناننا الحبيب، فنحن نحتاج موقفًا إنسانيًا من الجهات المعنية ومن جمهوره ومحبيه ومن الناشطين إلى مد يد العون والمساعدة "كما ذكرت" حتى يعود إلينا أفضل من ذي قبل،
فالفنان الحقيقي لا يُكرَّم بعد رحيله… بل يقدر وهو حي ومحتاج وموجوع،
اللهم اشفِ نايف عوض وأعد له عافيته وصوته فالصمت لا يليق بفنانٍ كان صوت الفرح في عدن واليمن.