إذا لم نحاسب الفاسدين فمتى نبني الوطن؟ 

إذا لم نحاسب الفاسدين فمتى نبني الوطن؟ 

(أبين الآن) الكاتب الصحافي عبدالله العبادي*

حين يتدهور مفهوم الوطن أو يغيب تماما لدى العديد من السياسيين وقادة الأحزاب والبرلمانيين، تسوء أحوال الناس ويتدهور منسوب الثقة بين الحكومات والشعوب. مادام العمل السياسي يخضع لإيديولوجية الحزب والجماعة والطبقة والمنطقة، فالنتائج ستكون مخيبة للآمال في مجتمعات تواقة للتنمية والقضاء على الفساد وبحاجة لحكومات قوية وناجعة وفعالة تساهم في تموقع أفضل للوطن في الخريطة الجديدة. 
غالبية المجتمعات العربية والإفريقية تعيش حالة من انحصار الأفق السياسي، وتفرض على الإنسان متاهات سياسية وفكرية، غرق في فهمها وتحليلها، في خضم فساد ينخر المجتمع ومؤسسات الدولة. هذه الوضعية التي نعيشها اليوم، أحد الأسباب الكبرى التي تحول دون تحوّل دولنا الى أوطان، أي الوصول إلى معنى كيان فوقي يتجاوز الانتماءات الضيقة.
الناس اليوم تاهت في نقاشات جانبية ومجالية وزمانية ضيقة، الهدف منها تشتيت الرأي العام عن القضايا المجتمعية الكبرى، وترك الفاسدين يعبثون فسادا في الأرض بلا حسيب ولا رقيب، ويظل الوطن الذي لم يتكوّن بعد، رهينة تصارع المصالح الضيقة على غرار قانون الغاب والبقاء للأقوى .
الفساد اليوم وصل حد الطغيان، وحين يحيط الفاسدون بالوطن ومؤسساته من كل مكان وتخنق عليه أنفاسه، يكون مستقبل الوطن في خطر، حين يتهافت الفاسدون على المزيد من الغنائم بدون ضمير ولا خوف من العدالة، فالمجتمع والوطن في خطر، حين يصل السياسي الفاسد لمرحلة اعتبار أن كل غنم يصيب الفرد هو مكرمة أو منّة منه، وأن له حق التصرّف بالموارد والثروات والمقدرات والمصير والبشر، فاعلم ان السياسة فقدت بوصلتها وصارت تهدم عوض أن تبني.
حين يصبح الفرد ساخطا على الوضع، ويُهدر حق انتماء الإنسان ويُصادر حقه البديهي بالمواطنة، يصير الإنسان غريبًا في وطنه ومحروما من خيرات بلده، يصبح محروما أيضا من الانطلاق الواثق في عملية البناء إلى مجالات تنموية أرحب، كل هذا يفقد الثقة القاعدية بالحكومات والفعل السياسي برمته.
في الكثير من المجتمعات، يصبح الاعتقاد بأن المواطنة تحولت من حق أساس إلى منّة أو هبة يمكن أن تُسحب في أي وقت. إذ يصبح المواطن غير معترف به وغير فعال في بلده، وبالتالي يُسحب منه الحق في أن يكون كما أراد أو يصير من خلال ممارسة الإرادة.
تفشي الفساد وغياب الشفافية والنزاهة والضمير الحي والمواطنة، وانتظار الانتخابات والدكاكين الحزبية والمصالح القبلية والطبقية، تنذر بكارثة مجتمعية أخرى تجعل من كل المشاريع التنموية خرافة. ذلك أن الإنسان المُستلب في وطنه لا يمكن أن يُعطي أو ينتج، وبالتالي لن يبني وطنا. في هذه الحالة يصبح متفرجا على الانهيار البطيء وقد يستجيب لهدر انتمائه بأن يصبح متنكرا للساسة وأحيانا لوطنه في نوع من الهدر المضاد. إلا أن هذه الحالة في حد ذاتها غير مستقرة، وقد تتطور إلى أشد درجات التنكر وقد تتخذ طابع الهدم الكلي للسياسة ومؤسسات الدولة والوطن.

بقلم الكاتب الصحافي عبدالله العبادي

المختص في الشؤون العربية والإفريقية