شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي
شهدت الفلسفة السياسية ونظرية الدولة نقاشًا واسعًا حول مفهوم الشرعية، لا سيما في السياقات التي تمر بها كيانات ودول قديمة وحديثة، حيث تتعدد أنماط الشرعية وتتنوع في طبيعتها ومصادرها. فعلى الرغم من التفاخر المستمر بالنماذج الديمقراطية، إلا أن مفهوم الشرعية لا يزال يتبدل في الأطر العقدية والدستورية والبيروقراطية بحسب التصورات المختلفة.
ومن أبرز من ساهم في تحليل أنماط الشرعية عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر، الذي قدّم تصنيفًا كلاسيكيًا للشرعية إلى ثلاثة أنماط: الشرعية التقليدية، والشرعية الكاريزمية، والشرعية القانونية – العقلانية. وقد استند في تحليلاته إلى نصوص فلسفية لعدد من المفكرين مثل جون لوك، وإيمانويل كانط، وهيغل، لتفسير كيفية اشتغال السلطة وشرعنتها داخل الدولة.
عند إسقاط هذه النظريات على الحالة اليمنية، نجد أن شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي بعد تسلّمه السلطة عام 2012، جاءت في سياق استثنائي نتيجة المبادرة الخليجية، حيث أُجريت انتخابات توافقية شارك فيها مرشح واحد هو عبد ربه منصور هادي، ما منحها صبغة شرعية في ظل ظروف انتقالية معقدة. وقد حصل هادي حينها على تفويض شعبي، مكّنه من قيادة البلاد رغم التحديات الأمنية والسياسية.
غير أن شرعيته هذه واجهت لاحقًا اختبارًا قاسيًا بعد انقلاب الحوثيين في صنعاء عام 2014، ثم انطلقت العمليات العسكرية تحت مظلة “التحالف العربي لإعادة الشرعية”. غير أن الملاحظ أن هذا التحالف نفسه قام لاحقًا بتهميش شرعية هادي، عبر الدفع بتشكيل مجلس القيادة الرئاسي الذي يضم ثمانية أعضاء، في خطوة وُصفت بأنها التفاف على الشرعية الدستورية التي يمثلها هادي، دون أن يُنجز هذا المجلس المهام الدستورية المناطة به حتى اليوم.
تتجلى الإشكالية في أن هذا المسار لم يؤدِ إلى استعادة الدولة بل إلى تفكيك السلطة الشرعية وإعادة توزيعها على أطراف محلية، بما يعزز من مشروع الحوثي في الانفصال وفرض الهيمنة شمالًا، في حين تتشظى المحافظات المحررة إلى كيانات متصارعة غير متجانسة.
بناءً عليه، فإن الشرعية – من منظور قانوني وشعبي – لا تزال في يد الرئيس عبد ربه منصور هادي، ما لم يتم تفويض شعبي جديد عبر انتخابات حقيقية. وفي حال لم يعد هادي راغبًا أو قادرًا على الاستمرار، فإن الخيار الديمقراطي يقتضي منه مخاطبة الشعب بشكل واضح وتسليم السلطة إليه وفقًا لآليات دستورية، لا عبر قرارات خارجية تفرض مجالس ومكونات بلا مشروعية.
في المحصلة، فإن انهيار الشرعية لا يمكن فصله عن دور القوى الإقليمية والدولية، لا سيما بعض دول الخليج، في إضعاف الشرعية اليمنية، على الرغم من كونها مثلت إجماعًا وطنيًا واسعًا في لحظة حرجة من تاريخ البلاد.