من ذكرى ١٣ يناير نستلهم الدروس والعبر!!

تعود على شعبنا الجنوبي ذكرى ١٣ يناير، التي أحالها شعبنا العظيم إلى ذكرى للتصالح والتسامح، يستلهم منها أبلغ الدروس والعبر، التي تساهم في بلورة مستقبله، فالمنعطفات الصعبة تقدم لنا في حقيقة الأمر دروس عملية لا غنى لنا عنها في الحاضر والمستقبل.

الشعوب الواعية دائما تحول نقاط الضعف إلى قوة، والانتكاسات إلى انتصارات والخسائر إلى مكاسب، والشواهد في هذا المضمار كثيرة، فقد شهد العالم الحديث أكبر معركة في التاريخ (الحرب العالمية الثانية)، خلفت ضحايا بعشرات الملايين، ودمار هائل، واستخدام لمختلف الأسلحة المحرمة، لكن هذه الحرب لم تضع حدا لآمال الشعوب الحرة والواعية المتطلعة للتطور والنهوض، بل فتحت أمامها آفاق رحبة للرقي والبناء، إذ فقد تصرفت شعوب البلدان المنخرطة فيها، مع نتائج هذه الحرب الكارثية على نحو من العقلانية، فسارعت لتضميد الجراح والعمل على تصحيح الأخطاء، بالبحث عن الأسباب التي تقف وراء هذا النزاع، والعمل على علاجها بصورة مقبولة، ومنع تكرارها، فليس من شارك في هذه الحرب يعد جانيا مباشرا، فالتصرف على هذا النحو يقود إلى دوامة من الفعل وردود الفعل، ونتائج مأساوية لا تنتهي على أقل المديات، فهناك أفكار ونظريات تقود للنزاع والعنف والإنسان بطبيعته يتأثر بالأفكار التي تموج من حوله، وتكمن الطريقة المثلى في التعاطي مع مثل هذا الأفكار في تصحيحها وعدم البناء عليها، وتنقية الوعي الإنساني من شوائب الأفكار والمفاهيم السلبية والهدامة، وقد قاد هذا التوجه السليم نحو بناء حضارة حديثة على أنقاض حرب كبرى أتت على كل شيء، كما أستلهم العالم من هذه الكارثة أهم درس بعدم السماح بتكرارها مستقبلا، حتى غدت المانيا الاتحادية الطرف الأبرز في تفجير هذا النزاع العالمي، البلد الأكبر  اقتصادا ونموا في أوروبا برمتها.

على سياق بلدنا لم تحسن قيادة الجنوب يومها الاستفادة من نتائج أحداث ١٩٨٦م كما ينبغي، حيث كانت المرحلة تتطلب إجراء مصالحة شاملة بين أبناء الجنوب بعد هذه الحادثة، وإعادة صياغة الأسس والمعايير التي تشكلت على ضوئها القوات المسلحة وعلى اعتبارات أكثر وطنية، وإجراء إصلاحات اقتصادية شاملة، ومعالجة بعض الأخطاء والممارسات السياسية، وتعويض المتضررين من أبناء شعبنا بشكل عادل، من موارد وخيرات البلد.
لقد اتخذ شعبنا قرارا بالاندماج مع اليمن كخيار لتلافي تداعيات هذه الحادثة، فكان أسوأ خيار يُتخذ قاد الجنوب بلد وإنسان إلى الكارثة، دفع شعبنا ثمنه غاليا من دماء أبنائه ومستقبل أجياله.

لقد آن الأوان اليوم أن نلقي بالأخطاء إلى الوراء، والانطلاق إلى الأمام غير آبهين بمختلف التحديات والمؤامرات، لاستعادة دولتنا الجنوبية المستقلة، وقد قُطعت أشواط كبيرة على هذا المضمار، تمثلت في بناء قوات مسلحة جنوبية الولاء، وتشكيل برلمان جنوبي، ومؤسسات قيادية، وتعيين للجنوب ممثلين في الداخل والخارج، والعمل على إجراء مقاربة بين مختلف المكونات السياسية المؤمنة بالقضية الجنوبية، خطوات من شأنها أن تنقل البلد إلى مرحلة الدولة المستقرة مكتملة السيادة.