اللهم لا شماتة
في بلاد لا تشبه أيّ بلاد، تعلّمت أن أضحك من المصيبة التي تقع على أمّ رأسي قبل أن أبكي عليها. اكتشفت أن الأصدقاء ليسوا سواء، ولا يشبهون بعضهم إلّا عند المواقف.
خذ مثلا صديقك الصايع، لكنه صايع بطعم جميل، كقارورة عسل أصليّ انسكبت فوق الرمل.
تجده عند المصيبة يركض إليك مهرولا، لا حبّا فيك، بل لأنه خبير في علم المصائب، حاصل على دكتوراه فخرية في تجاوز الحفر والمطبات. يربت على كتفك ويقول:
"هدي أعصابك يا وحش الوحوش، كلنا وقعنا في نفس الحفرة، بس تعال أوريك المخرج."
ثم يجلس يحفر بيديه وأسنانه حفرا جديدة، وأنت تتبعه كالأعمى، أليست هذه صداقة؟
أما الصديق العاقل، ذاك الذي يظن نفسه من سلالة الناجين من الخطيئة، يراك تتخبط وتغرق، فيقف على ضفة الشماتة المقابلة ويصيح عبر مكبّر الصوت:
"يا غبي، يا ما نصحتك، يا ما قلت لك، بس إنت حمار رسمي"
ثم يغلق دفتره وينصرف ليكتب عنك منشورا على جدار الفضيحة بعنوان:
"درس في الحياة لمن شاء منكم أن يعتبر."
كل ذلك ليجمع لك التعاطف واللايكات، بينما أنت تحاول النجاة من الغرق بكل ما أُوتيت من ستر.
نحن في زمن غريب، زمن أصبح فيه الصاحب الفاسد كالعكاز الأعرج الذي تتوكأ عليه فتصل، بينما العاقل يشبه سيارتي الـراف فور، تقف على الرصيف الآخر تلقي عليك محاضرة في قوانين المرور، وأنت تتمرجح على سيكلك البيدل.
العقلاء الطيبون يذكرونك بشيخ المسجد الذي اهتدى على يديه "المحشش"، وصار الشيخ يضرب به المثل في كل صلاة حتى يقنع أرباب السوابق بالهداية والعودة إلى جادة الصواب.
ولهذا السبب، وفي لحظة استبصار عميق، اكتشفت سر الحياة:
اختر صديقا فاسدا، فهو الوحيد الذي سيصمد معك في قاع الحفرة، يشعل لك حبة سيجارة ردفان، ويضحك معك على حجم المصيبة، ثم يبدأ يحفر لك نفقا للخروج منها بأمان.
أمّا العاقل؟ فسيكتب عنك مقالا حناني طناني بعنوان:
"هو حبيبي وصديق عمري، لكنه حمار."
ويختمه بعبارة:
"اللهم لا شماتة"