إعادة ترتيب البيت القيادي للانتقالي الجنوبي
تمثل القرارات التي أصدرها الرئيس عيدروس الزبيدي، يوم أمس، خطوة لافتة في مسار المجلس الانتقالي الجنوبي، ليس فقط من حيث الأسماء التي تم الدفع بها إلى مواقع قيادية، بل من حيث الرسائل السياسية والتنظيمية التي تبعث بها هذه التغييرات في لحظة سياسية بالغة الحساسية.
أولًا: رسالة تنظيمية واضحة – إصلاح داخلي وتعزيز الأداء
التغييرات الواسعة في الأمانة العامة تعكس اعترافا ضمنيا من قيادة المجلس بضرورة تطوير الأداء المؤسسي. فالمجلس، بعد سنوات من التأسيس والاشتباك السياسي والعسكري، يحتاج إلى نفس جديد وهيكل أكثر مرونة وفعالية.
توزيع المهام على هيئات متخصصة – من التخطيط والتنظيم إلى الإعلام والشؤون القانونية – يوحي برغبة في تحويل الأمانة العامة إلى ماكينة عمل حقيقية، بدلاً من مجرد واجهة بيروقراطية.
ثانيًا: إعادة توزيع مراكز القوى داخل المجلس
من يقرأ المشهد الداخلي للانتقالي يدرك أن هذه القرارات ليست إدارية فقط، بل هي إعادة توزيع دقيقة لموازين القوى.
– تعيين عبدالرحمن الصبيحي أمينا عاما يفتح الباب أمام جيل جديد من القيادات ذات الخلفية التنظيمية.
– إسناد مواقع نواب ومساعدين لشخصيات محسوبة على أكثر من تيار داخل المجلس يوحي بمحاولة امتصاص أي توترات داخلية وإشراك الجميع في القرار.
ثالثًا: إدخال الخُبجي إلى هيئة الرئاسة – وزن سياسي مضاعف
إضافة الدكتور ناصر الخُبجي إلى هيئة الرئاسة خطوة ذات بعد سياسي لا تخطئه العين. فالخُبجي يتمتع بخبرة تفاوضية وسياسية تراكمت عبر مسار طويل من العمل الوطني والجنوبي، ووجوده في هذا الموقع يعني تعزيز الملف السياسي للمجلس، خصوصا في ظل استحقاقات قادمة قد تتعلق بالمفاوضات أو إعادة ترتيب العلاقة مع القوى الإقليمية والدولية.
رابعًا: قراءة في السياق الإقليمي والمحلي
الجنوب اليوم أمام مرحلة مفصلية:
– على الصعيد الداخلي، هناك ضغوط لتحسين الخدمات وتثبيت الأمن.
– على الصعيد الخارجي، هناك ملفات تفاوضية متعلقة بمستقبل الحل السياسي في اليمن.
هذه القرارات تأتي لتظهر المجلس بمظهر الكيان القادر على إعادة إنتاج نفسه، واستيعاب قيادات جديدة، وتجاوز التكلس المؤسسي الذي كان يُنتقد عليه.
خامسًا: التحديات أمام القيادة الجديدة
لكن نجاح هذه التعيينات لن يقاس ببيانات الإشهار، بل بالقدرة على:
1. تفعيل الهيئات فعليا وعدم تركها حبرا على ورق.
2. إدارة التباينات الداخلية بروح مؤسسية لا بروح المحاصصة.
3. تحقيق إنجازات ملموسة يشعر بها المواطن الجنوبي الذي سئم الشعارات ويريد خدمات وأمنا واقتصادا.
في المحصلة..
القرارات الأخيرة للرئيس الزُبيدي تمثل محاولة لإعادة هندسة البيت القيادي للانتقالي الجنوبي بما يتلاءم مع تحديات اللحظة.
الرسالة الأبرز..
المجلس يتغير من الداخل ليبقى لاعبا قويا على الطاولة السياسية.
لكن هذه الخطوة تفتح الباب على امتحان صعب، هل ستتحول الأسماء الجديدة إلى فعل سياسي وتنظيمي يغيّر الواقع؟ أم تبقى مجرد حركة على الورق؟
الأيام القادمة ستكشف إن كانت هذه التعيينات بداية إصلاح حقيقي أم مجرد إعادة تدوير للمشهد القديم.