غزة- أبكت الصخور, ولم تبكي السلاطينا

بقلم/حسين السليماني الحنشي 

يقف شعب غزة أمام البحر ومن خلفه العدو ، وعن يمينه وشماله العدوان العالمي.
أنكم ياشعب غزة تجسدون محرقة النمرود، السلطان الظالم!
لكن نأسف أن البحر يظلمهم فهو الوحيد يجود عليهم بما فيه، وهو يبكيهم وهم يشاهدونه يحمل السفن والاحرار من العالم إليهم...
اليوم أغلب البشرية تبكي غزة وشعبها، فليس هناك بلد إلا وفيه من يبكي غزة!
إن شعب غزة أصبح معجزة اليوم مما يحدث له، فقد بكت اليوم الصخور مما يجري بغزة !
فصدق الله حين وصف القلوب القاسية واستثناء الحجر، فقال سبحانه[ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجّر منه الأَنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله...]
إن سلاطين العالم اغفلوا الأبواب في وجهة غزة، ولم تكن أمامهم إلا السماء مفتوحة تصعد إليها تكبيراتهم وحمدهم لله والدعاء...
إن الجوع في غزة بلغ مبلغة الذي يعجز العقل البشري عن وصفه، واللسان عن نطقه، إن الجوع في غزة ليس بسبب القحط وجفاف الأرض، وغور الماء في أعماق الأرض، بل جفاف في قلوب سلاطين العالم! كيف لا يرون الأجساد المتعبة، الذي يقطفها الموت بكل لحظة وفي كل مكان في غزة.
إن الجوع في غزة يقرب أهلها إلى الموت زلفى، والموت في غزة له ألف صورة، لكن الأعتى منه يأتي عبر صرير الأمعاء الفارغة لشهور...
لا شيء هناك على أرض غزة الآن غير الجوع، ولا نازل من السماء غير اللهب، فالتقى ألم الجوع مع ألم اللهب، حيث يباد شعبا بأكمله على مرأى ومسمع العالم كله، ورغم اشتداد المجاعة، وكثافة النار على غزة وشعبها، حتى وصل سكان غزة إلى المجاعة التي تعد كارثة حقيقية يعيشها سكان غزة.
فهل أصبح الجوع، عدالة الموت يرسلها سلاطين العالم لسكان غزة؟ نعم ، للأسف الشديد ؛ أنهم سلاطين يحملون في صدورهم قلوب قذرة !
إن سهام الحرب العسكرية يمكن للبعض الإفلات منها، لكن سهام الجوع تدخل تحت عباءة الصبر، فتقتلهم، إنها لا تبقي أحد...
لقد رمى العالم غزة ببحر من اللهب والدموع، حيث بدأت قواهم تخور، وبدأ الجوع ينحت أجسادهم الضعيفة، وتزداد صورة المأساة - إذا كان الجوع وهو الشعور الأقذر في العالم - يقتات من شعب ينتمي إلى أمة تضم مليارين من المسلمين، ويجاورها قرابة أربع مئة مليون إنسان يشتركون معهم في الدين واللغة والهوية، فهناك مئات الآلاف من شعب غزة يقتات الجوع من أجسادهم وأرواحهم، ولا يجدون ما يسدون به الرمق.
إن الجوع، هو النار التي تحرق أطفال غزة وتحرق قلوب من يسمعهم ويشاهدهم. لقد باتت الضلوع بارزة والعظام بالية، والأرواح التي تبلغ الحلاقيم، حتى وصل الأمر بهذا العالم الصامت وسلاطينه، السكوت عن ما يحدث أمام المساعدات الإنسانية، وأي إنسانية تتحدثون عنها، جعلت أهل غزة يعجنون الطحين بالدم، أن المساعدات أصبحت فخاخ الموت يصطاده العدو من أرواح الجوعى، تلك الأرواح البريئة وذلك الفخاخ والشباك الذي أعد لهم بإتقان، فتتعددت صور المأساة ؛ هذا استشهد بقصف مباشر، وهذا توفي محتضنا قطعة خبز، وآخر تمزق أشلاء وهو قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى كيس الطحين، وآخر تحت الزحام قضى بعد أن دهسته أقدام الفارين من اللهب الذي أمطرهم به العدو، حتى أدمن العدو هذا القتل البارد، من جموع المتجمهرين حول مراكز توزيع الأغذية التي أصبحت تمسى بمصائد الموت.
إنها إبادة شاملة ولا شيء غير هذا...
فقد بكت الصخور مما يحدث في غزة اليوم، ولكن للأسف، لم 
تبكى السلاطين حول العالم.
فلكم الله يا شعب غزة!