دراسة في آثار النزوح الشمالي على مستقبل الجنوب العربي: مقاربة سياسية، اجتماعية، أمنية وتنموية

أولًا: لمحة تاريخية وسياسية

بدأ النزوح من الشمال إلى الجنوب قبل الوحدة اليمنية عام 1990، وتصاعد بعد حرب 1994، حيث استُخدم كأداة لإعادة تشكيل التركيبة السكانية في عدن وبقية المحافظات الجنوبية.  

وبعد عام 2015، ومع احتدام الحرب، أصبحت المحافظات المحررة ملاذًا آمنًا للنازحين من مناطق سيطرة الحوثيين، لا سيما من تعز والحديدة وصنعاء.  

لم يكن النزوح عشوائيًا في كل مراحله؛ بل اتخذ طابعًا سياسيًا ممنهجًا، خصوصًا في مدينة عدن، التي شهدت توطينًا غير منظم لآلاف الأسر.

---

ثانيًا: الإحصاءات الرسمية (2023)

وفقًا لتقرير الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين:

- عدد النازحين في المحافظات المحررة: 3,078,336 فردًا  

- عدد الأسر النازحة: 486,572 أسرة  

- عدد النازحين في المخيمات: 483,330 فردًا  

- عدد النازحين في المنازل: 2,604,006 فردًا  

- عدد المخيمات: 646 مخيمًا  

---

ثالثًا: الجهات العاملة في تقديم المساعدات للنازحين

من أبرز المنظمات العاملة في المحافظات المحررة:

- المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR): مساعدات نقدية، مأوى، وحماية — تستهدف محافظات مأرب وعدن ولحج وتعز  

- مؤسسة يمن الخير للإغاثة والتنمية (YARD): مأوى، تعليم، مياه، وصحة — تستهدف شبوة والجوف وحضرموت  

- مركز الملك سلمان للإغاثة: سلال غذائية ودعم صحي — يستهدف مأرب وأبين وعدن  

- منظمة إسهام الاجتماعية: دعم الأسر الفقيرة وتأهيل مهني — تعمل في صنعاء وعدن وتعز  

---

رابعًا: الجوانب السلبية والمخاطر

- الضغط على الخدمات: ازدحام المدارس والمستشفيات، وانهيار البنية التحتية، خاصة في محافظات عدن ولحج وأبين.  

- التغيير الديمغرافي: ارتفاع نسبة الوافدين من خارج الجنوب، مما يهدد الهوية الثقافية والسياسية الجنوبية.  

- الاختلالات الأمنية: تفشي الجريمة، انتشار المخدرات، وتجنيد بعض النازحين في خلايا غير قانونية.  

- الاستيطان غير المنظم: بناء عشوائي داخل الأحياء التاريخية والسكنية، خصوصًا في مدينة عدن.  

- توترات مجتمعية: احتكاك متزايد بين المجتمعات المضيفة والنازحين نتيجة توزيع المساعدات بشكل غير عادل.

---

خامساً: المخاطر الأمنية والثقافية والاجتماعية للنزوح غير المنظم

 تهديد الهوية الجنوبية

- النزوح غير المنظم أسهم في ارتفاع نسبة السكان الوافدين في مديريات عدن ولحج وأبين، مما يهدد الهوية الثقافية والسياسية للجنوب.  

- إصدار وثائق رسمية (بطائق شخصية وشهادات ميلاد) لغير الجنوبيين يسمح بمشاركتهم في الوظائف العامة والاستحقاقات السياسية.  

- تحول النزوح من حالة طارئة إلى استيطان دائم مدعوم بامتيازات دولية، مما يقوّض مشروع الاستقلال الجنوبي.

 خطر أمني من خلايا مندسة

- كشفت تقارير أمنية وجود خلايا نائمة داخل مجتمعات النازحين تعمل بشكل منظم على زعزعة أمن الجنوب، وترتبط ببعض التنظيمات المتطرفة.  

- تورط عناصر نازحة في عمليات اغتيال وتفجيرات، واستهداف رموز وقيادات جنوبية.  

- تجنيد بعض الشباب في أنشطة تهريب وتصنيع متفجرات وتبادل معلومات أمنية مع الحوثيين.

 تفشي العنف والتنمر

- ارتفاع حالات العنف الأسري والمجتمعي، خاصة ضد النساء والفتيات في المناطق المكتظة بالمخيمات.  

- انتشار سلوكيات عدوانية وتنمر في المدارس والأسواق نتيجة الضغوط النفسية والغياب التربوي.  

- اختراق ثقافي قسري غيّر نمط الحياة في مناطق الجنوب الحضرية.

 اختلالات اقتصادية ومعيشية

- حصول النازحين على مساعدات نقدية بالدولار، في حين يعيش المواطن الجنوبي تحت خط الفقر دون دعم مماثل.  

- تجاوز سعر الدولار 2300 ريال يمني، والرواتب الحكومية متقطعة وغير مجدية.  

- شعور متنامٍ بالتمييز يولّد بيئة خصبة للتوتر والانفجار المجتمعي.

---

سادساً: التوصيات والحلول

- إنشاء قاعدة بيانات وطنية موحدة للنازحين — تحت إشراف الوحدة التنفيذية ووزارة الداخلية  

- تنظيم عملية النزوح عبر مخيمات مؤقتة خارج المناطق الحضرية  

- ربط المساعدات بالاحتياجات المشتركة بين النازحين والمجتمعات المضيفة  

- دعم برامج العودة الطوعية للنازحين إلى مناطقهم الأصلية  

- تعزيز الرقابة الأمنية على المخيمات والمجتمعات المستقبِلة  

- تحويل الدعم الإغاثي إلى مشاريع تنموية مشتركة تحفظ الكرامة والاستقرار

---

 تساؤل استراتيجي

برغم تدفق النازحين إلى المحافظات الجنوبية بشكل متزايد، هل توجد سياسات واضحة تنظم هذا النزوح؟ أم أن غياب التنسيق يفتح المجال أمام تغييرات ديمغرافية قد تهدد أمن الجنوب؟  

وكيف يمكن للمجلس الانتقالي والجمعية الوطنية ضمان ألا يتحول هذا التواجد في المناطقةالجنوبية إلى اختراق استراتيجي يهدد النسيج المحلي والبنية الاستقرارية؟

---

تم إعداد الدراسة بواسطة:  

أ/ أندى الصلاحي  

عضو الجمعية الوطنية – المجلس الانتقالي الجنوبي التاريخ: 29 يوليو 2025م