أصبح المجتمع يقدّر من يُجيد التمثيل أكثر ممن يُجيد الصراحة بلطف.
من أكثر سلبيات المجتمع التي نعيشها يوميًا دون أن ننتبه لعمق أثرها : النفاق الإجتماعي..
ليس مجرد عادة عابرة ، بل سلوك يتسلل إلى تفاصيل الحياة حتى يبدو وكأنه شيء طبيعي ، بينما هو في الحقيقة مرض يفتك بالصدق ، ويقضي على صفاء العلاقات.تجد الكثيرين يقولون ما لا يشعرون ، يبتسمون في وجه من يضمرون له الضيق ، يمتدحون ما لا يؤمنون به ، وكل هذا تحت عباءة : "كن لبقًا" ، "لا تُزعج أحدًا" ، "ساير الناس هكذا تحوّلت المجاملات الزائدة إلى ثقافة عامة ، والوضوح إلى وقاحة ، والصدق إلى تصرف غير ذكي.وبذلك أصبح المجتمع يقدّر من يُجيد التمثيل أكثر ممن يُجيد الصراحة بلُطف.يُكافأ من يُرضي الجميع ، حتى لو كان منافقًا ، ويُقصى من يتحدث بصدق ، حتى لو كانت نيته طيبة.
هذه السلبية تسلّلت حتى للعلاقات القريبة..
أصدقاء يُجاملون ولا يُصارحون ، أقارب يتبادلون الإبتسامات في المناسبات ثم يتحدثون بالسوء من خلف بعضهم ، وزملاء يصفقون في العلن، ويطعنون في الخفاء..
كل هذا يُضعف الثقة ، ويجعل العلاقات هشّة ، قائمة على المظهر لا الجوهرالأخطر من ذلك ، أن النفاق الإجتماعي يُربَى عليه الأطفال ، حين نطلب منهم أن يبتسموا لمن لا يحبون ، أو أن يقولوا ما لا يشعرون به كي يُرضوا الناس فيكبر الطفل وهو يظن أن التعبير عن مشاعره خطأ ، وأن الحقيقة تُقال فقط في السر.
هذه السلبية لا تخلق فقط أشخاصًا مزيفين ، بل تُنتج مجتمعًا يتهرب من المواجهة ، يختبئ خلف العبارات الجميلة ، ويخشى الحقيقة حتى لو كانت ضرورة.نعيش وسط ضجيج من الكلام ، لكن قليل منه صادق ، عميق ، نقي.ولذلك ، مواجهة هذه الظاهرة تبدأ من الداخل..
أن نُراجع أنفسنا : هل نقول ما نعتقد فعلًا؟ هل نجامِل على حساب قناعاتنا؟ هل نرتدي قناعًا في كل مجلس؟
ثم نُعلّم من حولنا أن الإحترام لا يعني الكذب ، وأن اللطف لا يُناقض الوضوح.في مجتمع مليء بهذه السلبية ، يصبح الصدق شجاعة ، ويصبح أن تكون كما أنت أمرًا ثوريًا..فليتنا نُربّي أنفسنا وأبناءنا على الشفافية اللطيفة ، لا التزييف المُهذب.لأن ما يُبنى على النفاق ، لا يدوم.