بين مطرقة الإقليم وسندان التبعية.. هل يملك الجنوب مفاتيح فجره؟

بقلم: د. مرسي أحمد عبدالله
لم يكد الجنوب يكسر قيود الهيمنة المباشرة من صنعاء، حتى وجد نفسه في مواجهة تحدٍّ من نوع آخر: أن يكون أسيراً في صراع إقليمي معقد. فبينما كانت التطلعات تتجه نحو السيادة الكاملة، فرضت حسابات "الحلفاء" و"الممولين" واقعاً جعل القرار الجنوبي مرهوناً بتوافقات العواصم قبل إرادة الميدان.
إن "الدعم" الذي أنقذ الجنوب عسكرياً، تحول بمرور الوقت إلى "قيد سياسي" عطّل استكمال بناء الدولة. فبينما تحذر القيادات -كالدكتور ناصر الخبجي- من تحريك "الذئاب المنفردة" لإرباك المشهد، نجد ثرواتنا في الخشعة وغيرها لا تزال عرضة للنهب المنظم، في ظل صمتٍ تفرضه "ضرورات الشراكة" التي أثبتت الأيام أنها كانت استنزافاً للجنوب أكثر منها مكسباً له.
لقد وصف الكاتب حسين السليماني الحنشي حالتنا بدقة في نصه (أمل في الظلام) حين تحدث عن السقوط في "حفرة التصنيفات والنزاعات"، محذراً من انتظار الحلول عبر "القادمين على الدبابات". والحقيقة التي يجب أن نواجهها هي أن الخلافات الجنوبية ليست "أصيلة"، بل هي صدى لتباين أجندات الحلفاء؛ فمتى ما اتفقت الرياض وأبوظبي، انتهت أزمات الجنوب في لحظة.
إن مخرجنا اليوم يتلخص في ثلاث نقاط:
 * الندية لا التبعية: تحويل العلاقة مع الحلفاء من "ارتهان للدعم" إلى "شراكة استراتيجية" يحكمها الاعتراف بقرارنا السيادي.
 * الاستقلال المالي: انتزاع السيطرة على مواردنا كشرط أساسي لانتزاع قرارنا السياسي؛ فلا حرية لمن يعتمد راتبه على الخارج.
 * فرض الأمر الواقع: تقديم نموذج دولة المؤسسات المنضبطة التي تجبر العالم على الاعتراف بها كضرورة للاستقرار الدولي.
نحن ممتنون لكل من ساندنا أبد الدهر، لكننا لسنا "أوراق ضغط" في ملفات الآخرين. إن الاعتراف بدولة الجنوب العربي أمر حتمي، وفجرنا القادم لن تصنعه دبابات الخارج، بل وعي الشعب الذي يرفض أن يُسرق وطنه مرتين: مرة باسم الوحدة، ومرة باسم التبعية.