اليمن بين فوضى المناطق المحررة وضياع البوصلة الوطنية

تشهد المناطق والمحافظات اليمنية المحررة، منذ سنوات، سلسلة متلاحقة من الاختلالات والاضطرابات السياسية والعسكرية والأمنية، وسط إهمال واضح من المجتمع الدولي والدول الراعية للملف اليمني. هذه الاختلالات التي لازمت قيادة الشرعية ومكوناتها السياسية لم تأتِ من فراغ، بل كانت نتاج تراكمات امتدت لما يقارب عقدًا كاملًا من الزمن، تنازعت خلاله أطراف الشرعية على النفوذ والمكاسب بدل التفرغ للمعركة الوطنية الكبرى.

فمنذ ما يقارب عشرة أعوام، انشغلت مكونات الشرعية بصراعات داخلية هدفها توسيع مناطق السيطرة وتعظيم الثروات والنفوذ السياسي والعسكري. ومع تغيّر مسارات الفصائل والمكونات الوطنية، تغيّر مسار التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، الذي وجد نفسه في مواجهة خلافات متصاعدة داخل المعسكر المناهض للمليشيات الكهنوتية، ما دفعه إلى توجيه جزء كبير من جهوده لاحتواء تلك الاختراقات والتباينات بدل التركيز على الهدف الرئيس.

وفي خضم هذا المشهد، تخلّى كثير من الفاعلين المحليين من قيادة الشرعية إلى القوى السياسية، وصولًا إلى التحالف العربي والمجتمع الدولي, عن جوهر القضية اليمنية في مواجهة الميليشيا الحوثية التي تمثل التهديد الأخطر على اليمن وشعبه وعلى دول الجوار والمنطقة. فقد انشغل الجميع بصراع النفوذ والمصالح الضيقة، ما عمّق جراح الوطن وزاد من معاناة المواطنين، وترك القضية اليمنية بلا حامل سياسي موحد.

سنوات طويلة مضت دون أن يتحقق تقدّم يُذكر في مسار السلام؛ فلم يتحرك هذا المسار شبراً واحداً، ولم يُنجز أي بند من بنود إجراءات بناء الثقة مع المليشيا الانقلابية. كما لم تُستثمر تلك السنوات في توحيد الصف الجمهوري، أو إصلاح الاختلالات في مؤسسات الدولة، أو معالجة التشوهات في الجهاز الإداري والقضائي والاقتصادي، ولا حتى في توحيد الخطاب الإعلامي أو تسخير القدرات المتاحة لمواجهة الميليشيا الحوثية، العدو الأخطر للمشروع الوطني.

ورغم كل هذا الفشل الداخلي والتراخي الإقليمي والدولي، إلا أن الفرصة لم تضع بعد. فما يزال بالإمكان تصحيح المسار، ومعالجة الاختلالات، وإعادة الاصطفاف تحت مظلة الشرعية، والتوجه نحو بناء موقف وطني صلب يقود إلى معركة فاصلة تستعيد الدولة وتُنهي سطوة الميليشيا المدعومة من إيران. إن الطريق ما يزال مفتوحاً لاستعادة بوصلة النضال الوطني، ورفع الظلم والمعاناة عن كاهل الشعب اليمني، وإعادة الاعتبار للجمهورية، والبدء في بناء الدولة اليمنية الحديثة القائمة على الحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية والتنمية.

فاليمن، رغم كل الجراح، ما يزال قادرًا على النهوض إذا توفرت إرادة صادقة وقيادة موحدة ومسار سياسي وعسكري واضح يعيد الاعتبار لأولويات المعركة ويضع مصلحة الوطن فوق كل المصالح الضيقة.