وقتك حياتك
الوقت ليس مجرد أرقام تتساقط من تقاويمنا، ولا ساعاتٍ تمضي على جدراننا؛ إنه أعظم من ذلك بكثير. إن الوقت هو الحياة نفسها، هو رأس مال الإنسان الذي لا يُعوَّض، كل يوم يرحل ينقص من رصيد أعمارنا، وكل لحظة تمر تقرّبنا من النهاية. وما من أحد إلا وهو خاسر، إلا من أدرك قيمة الزمن، فملأه إيمانا وعملا صالحا. وقد لخّص الله تعالى هذا المعنى العظيم في سورة قصيرة عظيمة: ﴿وَالْعَصْرِ(1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ(3)﴾.
ولذلك قال النبي ﷺ: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ»؛ فالصحة رأس مال البدن، والفراغ رأس مال الروح، ومن ضيّعهما عاش مغبونا خاسرا.
الوقت أمانة ومسؤولية، سيسألنا الله عنها يوم القيامة: عن أعمارنا كيف أفنيناها، وعن أجسادنا كيف أبْليناها. وكفى بالزمن شرفا أن الله أقسم به في كتابه: ﴿وَالْفَجْرِ﴾، ﴿وَاللَّيْلِ﴾، ﴿وَالضُّحَى﴾، ﴿وَالْعَصْرِ﴾. فما أعظم ما أقسم الله به! وما أجل ما دلّ على مكانته؟
ولذلك كان الحسن البصري يقول: "يا ابن آدم، إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم ذهب بعضك". وكل يوم ينقضي لا يعود، وكل شمس تغرب تأخذ معها جزءاً من أعمارنا. فهل وعينا هذه الحقيقة؟
إن الفرق شاسع بين من يستهلك وقته في اللهو والغفلة، وبين من يجعل كل لحظة في ذكر أو علم أو عمل نافع. أما المؤمن الصادق فإنه يتعلم أن يحوّل حتى عاداته إلى عبادات، فيأكل ليستقوي على الطاعة، وينام ليقوم إلى العبادة، ويعمل في دنياه ليعمر بها آخرته.
من أراد بركة وقته؛ فليتخلَّ عن التسويف وليبادر إلى العمل، فالتأجيل لصٌّ يسرق أعمارنا. ومن أراد صفاء عمره؛ فليغتنم بكور النهار، فقد دعا النبي ﷺ لأمته بالبركة في البكور. ومن أراد ثمرة حياته؛ فليتعلم الانضباط وليعطِ كل ذي حق حقه! لربه، لنفسه، لأهله، ولمجتمعه...
إن إدارة الوقت ليست مهارة شخصية فحسب؛ بل هي سرّ الحضارة ونهضة الأمم. فما ارتفعت أمة إلا بحفظ أوقاتها، ولا سقطت إلا حين أهدرت ساعاتها في اللهو والعبث. قال الشاعر:
دقات قلب المرء قائلة له *** إن الحياة دقائق وثوانِ
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها *** فالذكر للإنسان عمرٌ ثانِ
تذكر أن الوقت قصير، والعمر محدود، والأنفاس معدودة. وما هي إلا أيام ثم نرحل. فمن أراد السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة، فليغتنم ساعاته قبل أن يقول عند الرحيل: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ﴾ فلا يُستجاب له.
الوقت حياتك، فلا تضيّعها فيما لا ينفع، اجعلها عبادة وعملا وصناعة للخير؛ تكن حياتك بركة، ويكون عمرك شاهدا لك لا عليك.
عمَّرَ الله حياتكم بكل خير!
ودمتم برعاية الله!