رجولة الزوج رحمة لا غلظةٌ وقسوة!
في زمن يُفترض أن تكون فيه بيوتنا سَكنا، وأُسرنا موانئ أمان؛ تُروى يوما بعد يوم قصص دامية لنساء ضُربن، وأطفال ارتجفوا من مشهد لا يُنسى، ورجال فقدوا من رجولتهم ما لا يُجبره الاعتذار.
ظاهرة ضرب الزوجات لم تعد شأنا عابرا، ولا قصة تُروى في زوايا الاستثناء؛ بل باتت أزمة أخلاقية ومجتمعية تسحق القيم، وتفتك بجوهر الرحمة، وتحوِّل الأسرة إلى ساحة صراع لا دفء فيها ولا مودة.
البيت في الإسلام ميثاق؛ لا مِقصلة،
الزواج في الإسلام ليس عقد تبعية؛ بل "ميثاق غليظ" قائم على الرحمة والسكن والمودة، ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾.
كيف تهوي يدُ رجل على امرأة وصفها الله بأنها سَكنه؟ كيف يتحول المأمن إلى ميدان قسوة؟
لم يضرب النبي ﷺ امرأة قط، رغم أنه كان زوجا، وقائدا، وربّ بيت. قال أنس بن مالك رضي الله عنه: "خدمتُ رسولَ الله ﷺ عشر سنين، فما قال لي: أفٍّ قط، ولا قال لي لشيء فعلتُه: لِمَ فعلتَه؟".
بل قالها ﷺ صريحة: «لا تضربوا إماء الله»، ثم قال: «أولئك ليسوا بخياركم» لمن فعلوا.
الضربة لا تنتهي بانتهاء الألم؛ بل تبقى، تتغلغل في النفس، وتُفقد المرأة ثقتها بذاتها، وربما بزوجها، وربما بالدين ذاته؛ إن ربطته بصورة القسوة.
أما الأطفال؛ فهم شهود صامتون على عنف لا يد لهم فيه، يكبرون وهم يظنون أن "الحب ألم"، وأن "الرجولة غضب"، وقد يتحول أحدهم إلى صورة من أبيه، يكرر ما رآه، دون أن يفهم حجم الخراب.
بعضهم يستدل بآية الضرب في قوله تعالى: ﴿وَاضْرِبُوهُنَّ﴾؛ ليبرر بطشه؛ لكنّ فهم الآية سياقي، دقيق، مقيد؛ جاء لإصلاح حالة نشوز زوجية مستعصية، بعد الموعظة والهجر، وبضربٍ غير مبرّح، غير مؤذ، رمزي في معناه؛ لا في شدته. قال ابن عباس: "الضرب بالسواك". وقال العلماء: "الضرب هنا تعبير رمزي، لا يقصد به الإيلام".
المرأة المعنفة تضعف نفسيا، تنهار كرامتها، يتشوه حسها العاطفي، وقد تنهار أسرتها. والأطفال يخرجون بقلوب ممزقة، ونفوس حائرة، يكرهون أو يقلدون. والمجتمع يفيض بالعناد، بالكراهية، بالشتات.
فلابد من إصلاح ديني؛ يوضح الفهم الصحيح، وتربية أسرية تُدرّب الأبناء على الحوار؛ لا التهديد، ودور للإعلام في كشف الظاهرة، لا تجميلها،
وبرامج تأهيلية تسبق الزواج لا تلاحقه، وقوانين رادعة تحفظ المرأة من أن تكون ضحية.
إلى كل رجل: الرحمة رجولة؛ لا ضعف!
الرجولة الحقيقية ليست في القبضة؛ بل في الاحتواء! في الكلمة الطيبة، في العفو الجميل، في الحلم عند الغضب؛ قال ﷺ: «خيركم خيركم لأهله».
ختامًا؛ لن ينفعك يوم الحساب أنك كنت تصلي وتصوم؛ إن كنت تظلم من ألزَمك الله برعايتها. لن تُقَبَّلَ صلاتُك إن كان في بيتك أنينٌ مكتوم، وعينٌ دامعة، وصوتٌ خائف.
يا رجل الرحمة! ارفع يدك! فما خُلقت المرأة لتُضرَب؛ بل لتُكرم! وما خُلقت الرجولة لتُختبر بالقسوة؛ بل لتُجَلّ بالرحمة.
وفقني الله وإياكم لما يحب ويرضى!
ودامت بيوتنا عامرة بالسعادة!