الحملات الأمنية في الضالع.. مجرد استعراض لم يغيّر من معاناة المواطن شيئاً 

شهدت محافظة الضالع، حملات أمنية مكثفة استهدفت المحال التجارية وشركات الصرافة، بهدف ضبط الأسعار، ومنع التلاعب بالعملة المحلية، والحد من استغلال المواطنين في قوت يومهم. خطوة بدت في ظاهرها إيجابية، وأعطت انطباعاً أن هناك إرادة لتفعيل سلطة القانون في وجه المتلاعبين بالأسعار، لكنها في الواقع لم تثمر عن أي نتائج ملموسة يشعر بها المواطن البسيط.

رجال الأمن نفذوا نزولات ميدانية، وأعلنوا عن ضبط المخالفين الذين تجاوزوا التسعيرات المحددة من قبل مكتب الصناعة والتجارة، إلا أن هذا التحرك ظل محصوراً في إطار "التجار الكبار"، بينما تُركت المحال الصغيرة والدكاكين والبقالات دون رقابة فعلية، وكأن معاناة المواطن مرتبطة فقط بكبار التجار.

اليوم، لا يحتاج المواطن إلى تقرير رسمي ليكتشف الحقيقة؛ يكفي أن يتوجه إلى أقرب بقالة ليجد الأسعار كما كانت، بل أن الباعة الصغار يواجهونه بمبرر جاهز: "اشتريناها بسعر مرتفع ولا علاقة لنا بانخفاض سعر الصرف". وهكذا تتبخر كل جهود ضبط الأسعار في غياب آلية حقيقية تفرض الرقابة الشاملة، وتجعل من القانون سيفاً على الجميع.

الخلل ليس في تنفيذ الحملات الأمنية، بل في غياب استراتيجية متكاملة تضمن استمرار الرقابة، ووضع آليات واضحة للمحاسبة. فلو كانت هناك غرفة عمليات مشتركة بين الأمن ومكتب الصناعة، وأرقام هواتف مخصصة لاستقبال بلاغات المواطنين عن أي تاجر مخالف - كبيراً كان أو صغيراً - مع فرض عقوبات مالية صارمة وتعهدات مكتوبة على المخالفين، لما تجرأ أحد على بيع السلع بغير السعر الرسمي. وبدون هذه الإجراءات، ستظل الحملات الأمنية مجرد استعراض إعلامي، تتكرر عباراته في صفحات التواصل الاجتماعي، بينما المواطن يواصل رحلته اليومية مع الغلاء وكأن شيئاً لم يكن.

القضية لا تتطلب نزولات ميدانية شكلية، بل تحتاج إلى قوة ردع حقيقية وآلية مراقبة صارمة تُلزم الجميع من التاجر الكبير إلى صاحب أصغر بقالة، وإلا فإن الحديث عن تحسين الوضع الاقتصادي سيبقى مجرد شعارات في الهواء.

ولهذا، من الضروري إنشاء غرفة عمليات موحدة تضم مكتب الصناعة والتجارة وأجهزة الأمن، تكون مهمتها تلقي الشكاوى من المواطنين عبر أرقام هاتفية يتم تعميمها على نطاق واسع، وأي تاجر مخالف يتم ضبطه بناءً على تلك الشكاوى، ويُتّخذ بحقه الإجراءات القانونية اللازمة، بما يُلزمه ببيع السلع بالسعر المحدد.

ولضمان مصداقية البلاغات وعدم التلاعب بها، يجب إشراك اللجان المجتمعية المنتشرة في عموم المحافظة ومديرياتها ومراكزها، باعتبارها جهات معروفة وموثوقة. فهذه اللجان على دراية كاملة بتفاصيل الأسواق والتجار في قراهم ومناطقهم، وتفوق في ذلك أجهزة الأمن ومكتب الصناعة، نظراً لارتباطهم المباشر بالمجتمع.

وبالتالي، فإن نجاح خطة ضبط السوق مرهون بفاعلية هذه الشراكة المجتمعية، التي ستكون الضامن الحقيقي لأي إجراءات تتخذها السلطات تجاه المخالفين.