فلنُحارب معًا هذا العبث لنعد للإقتصاد هيبته.

بقلم: موسى المليكي.

رغم الجراح النازفة، والسنين العجاف، يُطلّ علينا بصيص أمل من نافذة الاقتصاد اليمني، حيث نشهد تحسنًا ملموسًا في قيمة الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، وكأن الوطن يتنفس قليلًا بعد طول اختناق. لكن، وبينما تتنفس العملة، يصرّ البعض على خنق المواطن، بتثبيت الأسعار على حالها، أو برفعها تارة، وكأننا لا نعيش في وطن واحد، بل على كوكبين متباعدين!ورغم هذا الجشع السافر، إلا أن التحرك الرسمي والأمني لضبط المتلاعبين بالتسعيرات يبعث شيئًا من الطمأنينة، ويُحسب لمن قام به كل التقدير. إنهم خطوة في الاتجاه الصحيح، وإن كانت الخطوات ما تزال قليلة ومتأخرة. لكننا نقول لهم: شكرًا، ومزيدًا من الرقابة والمحاسبة، فالوطن لا يُبنى بالمجاملات، بل بالعدل والحزم.

لماذا لا يُلزم التاجر بتحديث تسعيرته كلما تغيّر الصرف؟ أليس هو أول من يرفعها عند ارتفاع الدولار؟ فلماذا يتباطأ ويتلكأ حين ينخفض؟ أليست هذه خيانة اقتصادية؟ أليس هذا امتصاصًا لدماء شعب طحنته الحرب والفقر والخذلان؟
الشعب صبر كثيرًا، وصبره لم يعد قوة بل أصبح استنزافًا. وآن الأوان أن نُراعيه. لا يجوز أن يبقى الريال ضحية جشع التجار، ولا المواطن ضحية تواطؤ الصمت.

إننا بحاجة إلى وعي مجتمعي ورسمي، بأن معركة الاقتصاد لا تقل أهمية عن معارك الجبهات. بل هي جبهة داخلية لو انهارت، انهار معها كل شيء. نحتاج إلى إعلام مسؤول، إلى مؤسسات رقابة حقيقية، إلى جهاز حكومي شجاع لا يهادن الفاسدين، ولا يحابي المتلاعبين.أما "تجار الحروب"، الذين ازدهرت أعمالهم في ظلال المعاناة، فهم اليوم يغيّرون جلودهم لكنهم لم يغيّروا نفوسهم. لا زالوا يتاجرون بجراحنا، وينتفعون من دموعنا، ويتلاعبون بلقمة أطفالنا، باسم السوق والربح والاستيراد.

أيها المسؤولون، لا يكفي أن نُسجل نقاطًا إعلامية، بل لا بد من عمل جاد ومتصاعد لإعادة قيمة الريال إلى ما كانت عليه قبل الحرب. هذا حلم كل مواطن شريف. وإذا تحقق، فإن ذلك سيكون إعلانًا صريحًا بأن الوطن بدأ يستعيد أنفاسه، وأن عهدًا جديدًا من الإنصاف والنهوض قد بدأ.فلنُحارب معًا هذا العبث، ولنعد للاقتصاد هيبته، وللأسعار عدلها، وللريال مكانته، فلا وطن بلا عدالة اقتصادية، ولا سلام مع جشع التجار.