من التعافي إلى التطبيق.. دعوات للرقابة الصارمة بعد انخفاض الصرف
شهد الريال اليمني مؤخرًا تعافيًا ملحوظًا في سعر صرفه أمام العملات الأجنبية، وعلى رأسها الريال السعودي والدولار الأمريكي، في المحافظات والمناطق المحررة، ما شكل بارقة أمل للمواطنين الذين عانوا طويلاً من تدهور اقتصادي أرهق معيشتهم. هذا الانخفاض في سعر الصرف جاء نتيجة جملة من الإجراءات الاقتصادية والسياسات النقدية.
وقد انعكس هذا التحسن مباشرة على أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية في الأسواق المحلية، حيث بدأت أسعار عدد من السلع الأساسية في التراجع، لا سيما الحبوب، والزيوت، والسكر، ومنتجات الألبان، وغيرها من المواد التي تمس حياة المواطن اليومية، ورغم أن بعض التجار تجاوبوا مع هذا التراجع وخفضوا أسعارهم، لا تزال هناك تحديات حقيقية مرتبطة بجشع البعض واستغلالهم للوضع الاقتصادي لتحقيق أرباح غير مشروعة.
إن تعافي العملة المحلية لم يكن مجرد رقم في سوق الصرف، بل كان له أثر ملموس في حياة المواطنين، خصوصًا في المحافظات المحررة التي عانت لسنوات من انفلات الأسعار وتراجع القوة الشرائية. لقد ساعد هذا الاستقرار في تقليص الفجوة بين الدخل والإنفاق، وساهم في بث روح التفاؤل لدى الكثير من الأسر التي باتت قادرة نوعًا ما على تلبية احتياجاتها الأساسية بأقل كلفة مما كانت عليه سابقًا.
وفي ظل هذه المستجدات الإيجابية، تبرز الحاجة الملحّة لدور رقابي حازم من قبل مكاتب وزارة الصناعة والتجارة في المحافظات، لمتابعة ومراقبة الأسعار في الأسواق المحلية بشكل يومي، وضبط كل من يخالف التسعيرات الرسمية أو يرفض خفض الأسعار بما يتناسب مع تراجع سعر الصرف، ويتوجب على هذه الجهات اتخاذ الإجراءات القانونية الصارمة ضد التجار الجشعين، حمايةً للمواطنين من الغلاء المصطنع والاحتكار.
كما يجب تكثيف حملات النزول الميداني إلى الأسواق والمصارف لحث المحلات التجارية وشركات الصرافة على الالتزام بالتسعيرات الرسمية ومواكبة انخفاض سعر صرف العملات الأجنبية، وإلزام شركات الصرافة والحوالات بالتقيد بتسعيرة البنك المركزي اليمني في عمليات البيع والشراء، مع التأكيد على اتخاذ الإجراءات القانونية بحق أي مصرف أو شركة صرافة تمتنع عن البيع وتكتفي بالشراء فقط، لما يمثّله ذلك من إخلال باستقرار السوق وضرر مباشر على المواطنين والاقتصاد الوطني.
كما أن التحسن الاقتصادي لن يكون مكتملًا دون أن تفي الحكومة بالتزاماتها تجاه موظفي الدولة، الذين يشكلون شريحة واسعة من المجتمع. إن انتظام صرف المرتبات، شهريًا وبصورة عادلة، يعد ضرورة قصوى لضمان استقرار السوق وتعزيز القوة الشرائية لدى المواطنين، وهو ما ينعكس إيجابًا على حركة الاقتصاد المحلي بأكمله.
وفي الختام، تتطلب المرحلة الراهنة تضافر جهود جميع الأطراف، بدءًا بالحكومة والجهات الرقابية، مرورًا بالمؤسسات الاقتصادية والتجارية، وصولًا إلى وعي المجتمع نفسه. فالحفاظ على تحسن سعر العملة لا يتحقق إلا من خلال العمل المشترك، والحرص على توجيه هذه المكاسب نحو تحسين حياة المواطن بشكل مباشر، وتُعد الرقابة الصارمة، والشفافية في الأداء، والعدالة في توزيع الموارد، ركائز أساسية لبناء اقتصاد مستقر ومستدام، يعيد الأمل ويخفف من معاناة الشارع اليمني الذي أنهكته الأزمات لسنوات.