"دموع ليست بريئة"
بقلم: صفاء المليح
في قرية صغيرة يكسوها السكون، كانت "ليان" فتاةً مختلفة عن كل بنات القرية. وجهها البريء، وابتسامتها الهادئة، جعلتها قريبة من الجميع. لكن خلف ذلك الوجه الملائكي، كانت تخفي أسرارًا لا يجرؤ أحد على تخيلها.
تعرفت عليها "ريم" و"سمر" و"حنان"، فتيات من القرية نفسها. في البداية، انجذبن إليها سريعًا؛ لطيفة الحديث، مليئة بالقصص التي كانت تحكيها بصوت مرتجف ودموع تنهمر من عينيها، حتى إنهن كنَّ يرين فيها ضحية الحياة. لكن مع مرور الوقت، بدأت تلك القصص تتشابه، وتتناقض أحيانًا، وكأنها حكايات من نسج الخيال أكثر من كونها حقيقة.
مرت الأيام، وبدأت ريم تلاحظ أن ليان تعرف تفاصيل عن بيوت الناس وأسرارهم أكثر مما ينبغي، وأنها تختفي أحيانًا لأيام ثم تعود محملة بحكايات غامضة. في البداية تجاهلن الأمر، لكن القلق بدأ يتسلل إلى قلوبهن.
وفي ليلة هادئة، اجتمعت الفتيات الثلاث وسألن بعضهن:
"من هي ليان فعلًا؟"
بدأت رحلة البحث، وشيئًا فشيئًا تكشفت لهن أمور لم يتوقعنها… أشياء "تشيب الرأس" كما وصفت ريم. أدركن أن كل تلك الدموع التي كانت تسكبها ليان لم تكن سوى أقنعة، وأن وراء براءتها قصصًا حالكة السواد.
لكن ما كان يؤرقهن أكثر أنهن لا يملكن دليلاً واحدًا، وكل ما يعرفنه عنها مجرد همسات وظلال حقائق لا يمكن إثباتها. لم يجرؤن على مواجهتها، واكتفين بالابتعاد عنها تدريجيًا.
ليان، التي اعتادت أن تكون مركز الاهتمام، بدأت تلاحظ التغير: نظرات النفور، الأحاديث الصامتة، وحتى تجنبها في اللقاءات. كانت تعرف في أعماقها أن أقنعتها بدأت تتساقط، لكن الكبرياء كان يمنعها من التراجع.
الوحيدة التي ظلت قريبة منها كانت "أم ريم"، تلك المرأة الطيبة التي آمنت دائمًا بأن القلوب يمكن أن تهتدي مهما ضلت. كانت تعامل ليان كابنتها، تحنو عليها وتقدم لها النصيحة، على أمل أن يلين قلبها وتتغير. لكن ليان لم تكن تبالي، بل زادت من اختلاق القصص الكاذبة علّها تكسب تعاطفًا من جديد.
ولأن الحقيقة لا تبقى مخفية للأبد…
جاء اليوم الذي انكشفت فيه كل الأسرار دفعة واحدة، بطريقة لم يتخيلها أحد… أدلة صادمة ظهرت فجأة، قلبت كل شيء رأسًا على عقب.
لكن لا أحد تجرأ أن يذكرها علنًا.
بقيت الحقيقة محصورة في الهمسات، وظلت ليان تمشي في طرقات القرية بوجه بريء… كأن شيئًا لم يكن.
الرسالة:
ليس كل من يبكي مظلومًا، فهناك دموع تخفي ذنوبًا أكبر من أن تُغتفر، لكن يبقى باب التوبة مفتوحًا لمن أراد التغيير حقًا.
✍️ بقلم: صفاء المليح