محمد صائل مقط : قصة صمود وإيمان تتجاوز الكلمات
بقلم : د. مرسي أحمد عبدالله
في قلب كل كاتب حقيقي ، تكمن قصة أكبر وأعمق من الكلمات التي يخطها على الورق . قصة محمد صائل مقط ، كما يكشفها بين السطور، ليست مجرد سرد لمواقف ، بل هي تجسيد حي لشخصية استثنائية صقلتها المحن وأضاءها الإيمان . إنه ليس كاتبًا عاديًا ، بل هو راوٍ للآلام والأمل ، وفيلسوف يرى في الابتلاءات منحة إلهية .
شخصية محمد صائل تبرز من خلال قدرته الفريدة على تحويل الألم إلى قوة دافعة . فعندما يصف مشاعره وهو يتذكر دموع " زوجته " بعد اكتشافها أن ابنتهما لا تسمع ولا تنطق ، فإنه لا يكتب عن ضعف ، بل عن قوة حب الأب الذي احتضن هذه الحقيقة المريرة وحوّلها إلى تحدٍ . لم ينهار أمام تكرار المحنة مع أطفاله الأربعة ، بل نظر إليهم كـ" أقمار الليالي " ، وهي نظرة لا يمكن أن تصدر إلا من قلب مليء بالرضا والسكينة .
محمد صائل هو أيضًا رمز للعزيمة التي لا تلين . فبقرار شجاع ، ترك المدينة ، وعاد للبادية ليبدأ من جديد في مودية . هذا الانتقال لم يكن هروبًا ، بل كان سعيًا نحو حياة أفضل لأسرته . وبفضل هذه العزيمة ، إلى جانب تشجيع ودعم من أبو عبدالرحمن النقيب اليافعي جزاه الله خير ، لم يكتفِ بتوفير لقمة العيش ، بل بنى حياة مزدهرة أثمرت مواهب وإبداعات بناته في فنون الخياطة والتطريز ونقش الحناء .
الأهم من كل ذلك ، أن شخصية محمد صائل مقط تتجلى في إيمانه العميق بأن " أغلى ما نملكه في هذه الحياة ليس ما نختاره لأنفسنا ، بل ما يختاره الله لنا " . هذه الجملة ليست مجرد قناعة دينية ، بل هي فلسفة حياة كاملة تعكس مدى تصالحه مع قدره وقدرته على رؤية الخير في كل شيء . إنها رسالة قوية بأن الرضا هو مفتاح السعادة الحقيقية ، وأن الإيمان يجعل من كل محنة فرصة للنمو والارتقاء .
في النهاية ، محمد صائل مقط ليس مجرد كاتب يشاركنا قصة شخصية ، بل هو شخصية ملهمة تذكرنا بأن القوة الحقيقية تكمن في القلب ، وأن الأمل يستمد نوره من الإيمان ، وأن أجمل ما في الحياة ليس ما نمتلكه ، بل ما نتقبله ونحتضنه .