اليمن… بين الدولة الغائبة والمشاريع الخبيثة
بقلم: د. سمير الشرجبي
أكاديمي يمني
عندما تضعف الدولة، تكبر المشاريع الصغيرة، ويغيب الوطن الكبير.
في لحظات الفراغ السياسي وغياب المشروع الوطني الجامع، تتفتّت الرؤية، وتُختزل أحلام الناس، وتُدار المجتمعات بمنطق العصبيات لا بمنطق الدولة. تسود الطائفية، وتتعاظم المناطقية، وتطفو القروية والعنصرية، بينما تُغيَّب العدالة، وتُغتال فكرة الوطن الواحد.
في هذا المناخ، تختفي المشاريع الوطنية الكبرى، وتظهر بدلًا عنها مشاريع ضيقة تتغذّى على الانقسام، وتعيش على أنقاض الدولة، وتقدّم نفسها كبدائل للخلاص، بينما هي في الحقيقة أدوات تفكيك.
وحين يغيب صوت العقل، يرتفع صوت الكراهية والبندقية، ويصبح الصراع هو اللغة الوحيدة المتداولة.
هكذا أصبح حال اليمن منذ انهيار الدولة بعد ما سُمّي بـ«الربيع العربي»، حين تلاقت الأطماع الخارجية مع مشاريع داخلية لا تؤمن بالدولة، ولا ترى في اليمن إلا ساحة نفوذ أو غنيمة سياسية.
لقد فُرض على اليمن واقع مشوّه، تقوده مشاريع خبيثة تتجاوز إرادة الشعب اليمني، وتبني وجودها على حساب الدولة الواحدة، والحرية، والتنمية، والعدل، والمساواة.
فمشروع جماعة الحوثيين، المدعوم من إيران، لم يكن يومًا مشروع دولة، بل مشروعًا طائفيًا مسلّحًا صادر القرار الوطني، وحوّل اليمن إلى ورقة في صراع إقليمي.
ومشروع جماعة الإخوان المسلمين، المرتبط بالتنظيم الدولي، والمدعوم من تركيا وقطر، قدّم نفسه كبديل سياسي، بينما ساهم فعليًا في تعميق الانقسام وإضعاف مؤسسات الدولة.
كما أن مشروع المجلس الانتقالي الجنوبي، ورغم تبنّيه قضية عادلة، قدّمها بطريقة خاطئة، فأعاد إنتاج الأزمة بشكل آخر، عبر طرح مشروع انفصالي على حساب وحدة اليمن ومستقبله المشترك، ما يجهض استعادة الدولة، ويخدم – عن قصد أو غير قصد – المشروع الحوثي الإيراني المعادي، ليس لليمن فحسب، بل للإقليم والخليج والجزيرة العربية، وللأمن العربي عمومًا.
هذه المشاريع، على اختلاف شعاراتها، تلتقي في نتيجة واحدة:
تقويض الدولة اليمنية الواحدة، ومصادرة إرادة الشعب، وتعطيل مسار التنمية، وحرمان اليمنيين من حقهم في الحرية والعدالة والمساواة.
إن رفض هذه المشاريع ليس موقفًا سياسيًا عابرًا، بل موقف وطني وأخلاقي.
اليمن لا يحتاج مزيدًا من الوصاية، ولا مزيدًا من السلاح، ولا مزيدًا من المشاريع المفروضة من الخارج.
اليمن يحتاج دولة مدنية عادلة، ومشروعًا وطنيًا جامعًا، وصوت عقل أعلى من ضجيج البنادق.
وحده اليمن الكبير، بدولته الواحدة، وشعبه الحر، هو القادر على إسقاط كل المشاريع الخبيثة…
وما عدا ذلك، ليس إلا إعادة إنتاج للأزمة بأسماء مختلفة.


