وهم القرب في زمن الإنترنت

بقلم: سناء العطوي 

في زمنٍ أصبحت فيه المسافات تُقاس بسرعة الإنترنت لا بعدد الكيلومترات، يخرج السؤال المربك: هل قربتنا تكنولوجيا الاتصال فعلًا، أم دفعتنا نحو عزلةٍ أعمق ونحن نظن أننا نتواصل؟

منصات التواصل، تطبيقات المكالمات المرئية، الرسائل الفورية، كل هذه الأدوات جاءت بشعار ربط العالم.
 المغترب اليوم يستطيع أن يتحدث مع عائلته في أي لحظة، يرى وجوههم، يسمع أصواتهم، وحتى يشاركهم لحظاتهم عبر الصور والفيديو. 

لكن خلف هذه الصورة الوردية، يختبئ واقع أكثر تعقيدًا.

الغريب في الأمر أن كثيرًا من المغتربين باتوا يكتفون بهذا "التواصل الرقمي" بدل العودة الحقيقية، وكأن الشاشة أصبحت بديلاً عن الحضن، والصوت عبر السماعة يغني عن الجلوس وجهًا لوجه. الأدهى من ذلك أن هذا القرب الافتراضي يخدر الإحساس بالغربة بدل أن يزيله؛ فالمغترب يشعر أنه قريب، لكنه في الحقيقة يزداد ابتعادًا عن التفاصيل الصغيرة التي تصنع الحياة مع أحبته.

والأمر لا يتوقف على المغتربين.
 حتى داخل المدن والبلدان، التكنولوجيا صارت تدفع الأفراد إلى الانعزال في فقاعاتهم الخاصة: شاب يقضي ساعات في محادثات لا يعرف فيها وجوه من يتحدث معهم، وأسرة تجتمع على طاولة العشاء وكل فرد منشغل بشاشته.

فهل نحن أمام أداة تواصل أم آلة تفريق صامتة؟
هل التكنولوجيا قربت قلوبنا فعلًا، أم أنها أتقنت لعبة إبقائنا "متصلين" بينما نحن في الواقع وحيدون أكثر من أي وقت مضى؟

ربما لم يحن الوقت لإدانة أو تمجيد هذه الثورة الرقمية، لكن المؤكد أن السؤال سيبقى يلاحقنا: هل نحن نستخدم التكنولوجيا… أم هي التي تستخدمنا؟

 سناء العطوي