ماذا بعد؟
ماذا بعد كل هذا الخراب؟
ماذا بعد أن أنهكت الحرب الإنسان قبل الحجر، وسرقت من الناس أعمارهم، ومن الوطن ملامحه، ومن المستقبل معناه؟
هذا السؤال لم يعد ترفًا فكريًا، بل صار صرخة يومية تتردد في البيوت، في الشوارع، في صدور الأمهات، وفي عيون الأطفال الذين كبروا قبل أوانهم. ماذا بعد؟ بعد أن تشابهت الوجوه، وتبدلت الشعارات، وبقي الألم واحدًا.
لقد جربت كل الوصفات: السلاح، التحريض، التخوين، المتاجرة بالدين، المتاجرة بالوطن، والمتاجرة بدماء البسطاء. والنتيجة واحدة: وطنٌ أكثر تعبًا، وشعب أقل ثقة، وقيادات ما زالت تتحدث عن النصر بينما الخسارة تحاصر الجميع.
ماذا بعد سقوط الأقنعة؟
بعد أن اكتشف الناس أن كثيرًا ممن ادعوا تمثيلهم لم يكونوا سوى تجار أزمات، وأن الخطابات الرنانة لم تشبع جائعًا، ولم تُداوِ جريحًا، ولم تُعد طفلًا إلى مدرسته؟
ماذا بعد الصمت الطويل؟
الصمت الذي لم يعد حيادًا، بل صار شراكة غير معلنة في استمرار الانهيار. فحين يصمت العقلاء، يرتفع صوت العبث، وحين يتراجع الحكماء، يتقدم المتطرفون.
ماذا بعد تآكل الدولة؟
حين تستبدل القوانين بالأعراف، والمؤسسات بالأشخاص، والعدالة بالمزاج، يصبح الوطن ساحة مفتوحة لكل من يملك القوة لا الحق. وحينها لا ينتصر أحد، حتى المنتصر يبدو مهزومًا.
إن السؤال الحقيقي ليس: من المسؤول؟
فالمسؤولية باتت واضحة ومتراكمة.
السؤال الأخطر هو: هل ما زال هناك شجاعة للاعتراف؟
الاعتراف بأن المسار خاطئ، وأن الاستمرار فيه جريمة، وأن الوطن لا يدار بالعناد ولا يبنى بالكراهية.
ماذا بعد؟
إما أن نختار طريق الدولة: دولة القانون، والمواطنة، والمساءلة، والعدالة المتساوية.
وإما أن نواصل الدوران في حلقة الدم والخراب، حتى لا يبقى ما يسأل عنه أصلًا.
هذا الوطن لا يحتاج خطيبًا جديدًا، ولا زعيمًا معصومًا، ولا شعارًا أكثر صخبًا.
يحتاج قرارًا شجاعًا: أن يتقدم اليمن على الجميع، وأن يتراجع الجميع خطوةً من أجل اليمن.
ماذا بعد؟
إما صحوة تنقذ ما تبقى،
أو تاريخ قاس سيكتب أننا عرفنا الحقيقة… واخترنا تجاهلها.


